ألان بيفاني يكشف أسس الفساد السياسي والمصرفي بالأرقام والوقائع

في دراسة اقتصادية حديثة تتناول الأزمة في لبنان، رأى المدير العام السابق لوزارة المالية ألان بيفاني أن لبنان يواجه أزمة متعددة الوجوه والأشكال. وأشار إلى أن الأزمة الاقتصادية ليست وليدة سياسات خاطئة فحسب، بل هي بسبب إصرار السياسيين على إفراغ لبنان من أمواله. ويعتقد بيفاني – حسب الدراسة التي جاءت بعنوان “أصل الأزمة في القطاع المصرفي اللبناني” ونشرت في 28 أيلول الماضي، في مؤسسة Hoover institute الفكرية للسياسة العامة ومقرها الولايات المتحدة الأميركية – أن انتصار الميليشيا على الدولة، قد يكون أول الأسباب التي أدت للانهيار، متوقعاً أن تنتصر هذه الميليشيا السياسية مرة أخرى على مؤسسات الدولة.

من جهة أخرى، خلص بيفاني، أن الفساد السياسي شكل أول حلقة في التسبب بالانهيار، ويعود تاريخ بدء الفساد السياسي إلى حقبة التسعينيات، بمباركة ومشاركة الثنائي- نبيه بري (رئيس مجلس النواب الحالي) ورئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، اللذان سعيا إلى تأسيس ما يمكن تسميته بالفساد داخل المؤسسات، من خلال اتباع نهج، تحويل مجلس النواب اللبناني إلى شريك نشط في الفساد، وبالتالي شل الوظيفة الرقابية الحاسمة للسلطة التشريعية تماماً. وتمكن الرجلان (بري-الحريري) وبدعم من أحزاب أخرى، إلى شل عمل السلطة القضائية أيضاً، بعد شل دور السلطة التشريعية وتفريغها من جوهرها.

اخفى سلامة الأرقام المالية، ولم يطلع عليها حتى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، أو حتى نوابه. وحينها كانت البنوك التجارية تحت ضغط من البنك المركزي لإيجاد سبل جذب الدولارات من الخارج. وقام البنك المركزي باختيار التدخل بين الحكومة والبنوك لشراء الأوراق الحكومية بأسعار رخيصة بالليرة وبيع شهادات الإيداع للبنوك بمعدلات أعلى. بالطبع، هذا من شأنه أن يسمح للبنوك التجارية بالمحافظة على “وهم” الأرباح المتزايدة، التي خدعت بها المودعين.

وكمحاولة لإنقاد الوضع، أعلن وزير المالية آنذاك علي حسن خليل بداية عام 2019 أنه كان يعمل على إعادة هيكلة الدين اللبناني قبل التراجع. في غضون أيام، خفضت وكالة موديز تصنيف لبنان إلى Caa1، وتبعتها فيتش CCC، كان لبنان يدفع بالفعل 20 في المئة زيادة على الدولار. وبحلول نهاية ربيع 2019، أدخلت البنوك التجارية قيود جدية على عمليات سحب المودعين، وكان ذلك أحد الأسباب القوية وراء ذلك الحراك الشعبي الذي انطلق في 17 تشرين الأول 2019. في تلك اللحظة، قررت البنوك – بدعم من محافظ البنك المركزي – الإغلاق.

وبعد استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري قررت الحكومة دفع 1.6 مليار دولار لحاملي سندات دولية. وهذا المبلغ غادر البلاد على الفور في غياب ضوابط رأس المال. وكان البلد ينقسم بين أولئك الذين كانوا يمتصون الدولارات حتى آخر بنس وأولئك الذين كانوا يرون مدخراتهم تتلاشى.

وتوصل بيفاني وفريقه، جنباً إلى جنب مع مستشارين في Lazard، إلى خطة تعافي ووضع التشخيص المناسب وتغطية مختلف الإجراءات اللازمة، بما في ذلك إعادة هيكلة الدين وإعادة هيكلة البنك المركزي والقطاع المصرفي كله، وإصلاح المالية العامة، وإنشاء شبكات الأمان الاجتماعي. وتمت الموافقة على الخطة بالإجماع في نيسان 2020. كانت هذه المرة الأولى التي تأتي فيها الحكومة اللبنانية بالتشخيص المناسب مع الاعتراف بالخسائر الحقيقية في النظام. لكن الخسائر كانت ضخمة، وقبولها سيكون له عواقب وخيمة على النظام الجنائي، فتوقفت الخطة.

كان الهجوم ضد المركزي عنيفًا للغاية من المودعين بسبب خطة Hair cut، التي لجأ إليها لتأخير الانهيار، وشراء الوقت. في غضون ذلك كانت جميعة المصارف ترفض هذه الخطة، وهو ما يمكن اعتباره موقف سخيف ولكنه شعبوي، مع العلم أن البنوك هي التي فرضت تخفيضات منهجية على جميع المودعين الذين أرادوا سحب الأموال من حساباتهم. أيضا تهريب الأموال إلى الخارج لصالح الأقوى، وربما لبعض السياسيين أو النواب أو مساهمي البنوك. وكل ذلك في ظل السرية المصرفية.

أهدر الحاكم الكثير من الوقت أثناء طباعة كمية هائلة من الليرات، وبالتالي إشعال العملة المحلية مقابل الدولار والسماح بشكل كبير بإجراء HAIR CUT على الودائع بالدولار (Lollars)، وهو ما أضر بالكثير من المودعين، حتى أن صندوق النقد الدولي أظهر الكثير من القلق بشأن الضرر الذي يلحق بالمودعين والسكان، وسط عدم اكتراث السلطة السياسية.

كان من المقرر أن يتم تثبيت الليرة عند حوالي 4000 ليرة للدولار في غضون عامين، وحماية المودعين المتوسطين من أي خسارة، وجذب نحو 27 مليار دولار من الدولارات الجديدة على مدى خمس سنوات. هذه العملية تعيد بعض الأمور إلى طبيعتها بحلول نهاية عام 2022، لكن النخب السياسية، بدلاً من ذلك، اختارت عمدًا عدم فعل أي شيء، وجعل الليرة تنهار لتصل إلى 20 ألف ليرة مقابل الدولار، مع عدم وجود أرضية لوقف تدهورها. كما اختاروا أن يخسر جميع المودعين حوالي 90 بالمئة من أموالهم حتى اليوم ويمنعون لبنان من الوصول إلى أموال جديدة كبيرة.

 

مصدرالمدن - بلقيس عبد الرضا
المادة السابقةترجيح استمرار الضغوط على الشحن البحري حتى 2023
المقالة القادمةأزمة بيانات القيد حلت موقتاً.. وبدأت مشكلة جوازات السفر