الأزمة المالية تترك آثارا قاسية على قطاع الإنشاءات في لبنان

تتعمق متاعب قطاع البناء والتشييد في لبنان لتتطور إلى حالة من الركود غير المسبوق في ظل الأزمة المالية الخانقة منذ أكثر من عامين التي أرخت بتداعياتها على الاقتصاد المحلي بشكل كبير وزادت من منسوب المخاوف من تعرض الكثير من الشركات للإفلاس.

وشكلت الأزمات السياسية والرؤية الاقتصادية الضبابية وقيود الإغلاق جراء الوباء ثم التضخم المنجر عن الحرب في أوكرانيا صداعا مزمنا للمطورين العقاريين والمقاولين الذين استسلموا للأمر للواقع على ما يبدو رغم محاولاتهم المستميتة للهروب من وضعهم الخانق.

وبين خبراء متشائمين من تعافي هذا النشاط في وقت قريب، ومطورين يحاولون تمنية أنفسهم باستقرار هش، ضاعت بوصلة استقرار القطاع وسط تصاعد الأصوات المحذرة من اتساع هذه المشكلة وربما لا يمكن لأحد لملمتها أو حلها سريعا.

وتجد الشركات وخاصة التي تأسست لإعادة بناء العاصمة اللبنانية بيروت بعد انتهاء الحرب الأهلية في عام 1990 صعوبة في التغلب على أحدث أزمة مالية تعيشها الدولة في عصرها الحديث.

وحتى اندلاع الانتفاضات العربية في 2011 واشتعال الحرب الأهلية في سوريا المجاورة كانت أنشطة البعض من المطورين العقارين تزدهر لغاية اندلاع شرارة الاحتجاجات ضد السلطة الفاسدة منتصف أكتوبر 2019.

ويؤكد انحدار أعمال الإنشاءات أن ثمة خللا هيكليا في إدارة المشاريع العامة، والتي كان يفترض أن تدعم مسار التنمية من خلال تحريك ركود الأنشطة المرتبطة به وتوفير المزيد من فرص العمل للبنانيين.

ومع الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار أمام الليرة، تلقى المطورون ضربة موجعة وأصبحوا في دوامة من المشاكل لم يتمكنوا من حلها حتى الآن.

لكن الأمر لا يقف عند ذلك الحد فحسب، بل ثمة عوامل أخرى جعلته يصل إلى هذه الحالة تتمثل في المصالح والنفوذ، والتقاعس في تعزيز ودعم الصناعة المحلية وضبط الاحتكار، وتوقيف عمل المقالع وارتفاع أسعار المواد الخام كالإسمنت، إلى جانب نقص في طلبات الترخيص.

ودخلت نقابة القطاع في صدام مع السلطات السياسية والمالية بسبب التخاذل في معالجة أزماته، التي تزايدت بشكل لم يعد معه بالإمكان العودة إلى الخلف.

وفي موقف يعكس مدى الضرر الذي لحق بالقطاع حذر رئيس نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء اللبنانية مارون الحلو من أن “قطاع البناء اليوم في حال جمود وشلل تام”.

وأشار في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية إلى أن موازنة القطاع العام لا تتضمن أي إنفاق استثماري، فيما وزارات الخدمات تفقد إمكانات إطلاق أي مشاريع.

وأكد أن الأشغال التي تنفذ حاليا تقتصر على بعض العقود المتعلقة بتشغيل محطات الكهرباء والمياه وجمع وكنس النفايات والصيانة، فيما لا يزال المقاولون يواجهون صعوبات بتحصيل هذه العقود.

ووفق تقديرات النقابة فإن قيمة المستحقات المتراكمة للمقاولين مع الدولة تبلغ نحو 400 مليون دولار ومعظمها مع مجلس الإنماء والإعمار. ولن يتم حل هذه المشكلة على الأرجح إلا بإقرار موازنة 2022.

ويواجه القطاع عموما أزمة مزدوجة كغيره من المجالات الأخرى تتمثل في استيراد التضخم، إلى جانب انهيار الليرة أمام العملة الأميركية إلى مستويات قياسية.

وأدى الانهيار الاقتصادي المستمر منذ نحو ثلاث سنوات إلى فقدان الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها وزيادة الفقر وشلل النظام المالي وتجميد أموال المودعين جراء أسوأ أزمة خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

ونتيجة للظروف الصعبة، انتقلت العديد من شركات المقاولات اللبنانية للعمل في أسواق الدول العربية والأفريقية كي تتمكن من حماية الجهاز البشري لديها من مهندسين وإداريين وموظفين.

وتتعاون نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء اللبنانية مع اتحاد المقاولين العرب بهدف فتح أسواق جديدة أمام شركات التطوير اللبنانية وإتاحة فرص بديلة في الدول التي تتوفر لديها موارد مالية.

واستطاعت العديد من الدول وخاصة النفطية أن تحرك قطاع التشييد والإنشاءات والبناء بسبب الوفرة المالية التي نجحت في جنيها من ارتفاع أسعار النفط الخام وهو ما يمكن ملاحظته في موازناتها المتعلقة بإطلاق مشاريع تطويرية جديدة في أسواقها.

وهذا الأمر قد يفتح الباب أمام الشركات اللبنانية من أجل الحصول على حصة في تلك الأسواق حتى تحافظ على استدامة نشاطها وتتجنب السيناريو الأسوأ وهو غلق أبوابها نهائيا وتسريح العمال والموظفين.

وفي العادة يتم تأمين رواتب العاملين في لبنان من أرباح الشركات العاملة في الخارج، ولهذا فإن العديد من الشركات اللبنانية المقتدرة عمدت إلى فتح فروع لها في الكثير من الأسواق بهدف ضمان استدامة أعمالها وعدم إغلاق أبوابها في لبنان.

ويرى كثير من الخبراء أن الأوضاع غير المستقرة ماليا واقتصاديا في البلاد انعكست بشكل سلبي على القطاع الخاص، الذي تضرر بشكل بالغ مما يحدث في البلاد.

ويقولون إن أي مستثمر أو أي شخص يملك سيولة نقدية ليست طبعا في البنوك لأن البنك المركزي يقنن سحبها وفق النظام المالي لن يُقدِم على التوظيف حاليا في شراء عقار أو مسكن بانتظار استقرار الوضع العام.

ويعتبر قطاع البناء أكثر القطاعات إشكالية في لبنان في وظيفته الاقتصادية وأرباحه وعشوائية تنظيمه وشروطه البيئية وظروف عماله البائسة بحسب ما يشير إلى ذلك المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالنفط يواصل بثبات جني مكاسب ضبابية زيادة الإنتاج
المقالة القادمةميقاتي وجمعيّة المصارف: تسوية تشبه المؤامرة على الشعب