الاقتصاد العالمي في مرمى ارتدادات حظر النفط الروسي

اكتسبت الدعوات المطالبة بحظر استيراد النفط الروسي في الولايات المتحدة زخما واضحا خلال الأيام القليلة الماضية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا رغم رفض العديد من الدول الأوروبية القيام بهذه الخطوة.

وينظر الاتحاد الأوروبي إلى خطوة من هذا القبيل على أنها ستكون مدمرة لاقتصاده، وخاصة ألمانيا التي تعد “مصنع أوروبا”، وأكثر بلد في القارة يعتمد على واردات الطاقة الروسية.

لكن الأميركيين لا يكترثون للتداعيات الكارثية التي ستخلفها الخطوة على الاقتصاد العالمي، حيث لجأت واشنطن إلى هذا السلاح حينما اتخذ الرئيس جو بايدن الثلاثاء “خطوات تهدف إلى محاسبة روسيا على حربها غير المبررة” ضد أوكرانيا، وهو ما قد يدفع أسعار النفط إلى تحطيم أرقام لم تشهد مثلها السوق من قبل.

وكانت مجموعة من المشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي قد قدمت الأسبوع الماضي مشروع “قانون واردات الطاقة الروسية”، والذي من شأنه الإعلان عن حالة طوارئ وحظر جميع واردات الولايات المتحدة من النفط والغاز القادمة من روسيا.

وفي البداية عارضت إدارة بايدن حظرا أميركيا شاملا على النفط والغاز الروسيين خشية تفاقم التضخم وارتفاع الأسعار في السوق المحلية مع أنها قد تكون أقل تضررا من أوروبا.

ومع تصاعد السخط الشعبي إزاء موسكو، قال البيت الأبيض إنه خاض نقاشات ولا يزال مع الحلفاء الأوروبيين بشأن فرض حظر، وبموازاة العمل على ضمان إمدادات نفطية ملائمة.

وتبلغ حصة روسيا أقل من 10 في المئة من واردات الولايات المتحدة من منتجات النفط والتي تشمل الديزل، وهو وقود متدني النوعية يمكن تكريره وتحويله إلى منتجات ذات نوعية أعلى.

ووفق الباحث لدى مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا أنطوان هالف تعني الحصة الضئيلة نسبيا من سوق الطاقة الأميركية أنه “أسهل للولايات المتحدة من أي جهة أخرى” حظر تلك الواردات.

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى هالف قوله “لن أقلل مما يتطلبه الأمر لسد نقص النفط الروسي، لكنه قابل للتحقيق”.

وحتى من دون حظر، ارتفعت أسعار النفط بنسبة 30 في المئة على وقع الأزمة في أوكرانيا لتصل إلى مستوى 140 دولارا الاثنين الماضي قبل أن تتراجع قليلا الثلاثاء.

وبلغ متوسط أسعار البنزين في الولايات المتحدة نحو أربعة دولارات للغالون الاثنين، أي بزيادة بمقدار 0.62 دولار مقارنة بالشهر الماضي، وأعلى بنسبة 47 في المئة عن معدل العام الماضي.

وفرضت واشنطن وبروكسل عقوبات اقتصادية قاسية على موسكو بهدف عزلها عن الاقتصاد العالمي وقطع مصادر تمويلها. لكن العقوبات استثنت تحديدا التعاملات المتعلقة بالطاقة.

ومع ذلك يقول خبراء إن بعض أسباب ارتفاع الأسعار تعود إلى مشترين “يفرضون عقوبات ذاتية” ويتجنبون شراء النفط الروسي.

وسيكون الحظر الأميركي أكثر إيلاما إذا ما انضم إليه الاتحاد الأوروبي. وعموما يعتمد الاقتصاد الأوروبي بشكل أكبر على موارد الطاقة الروسية، وخصوصا الغاز الطبيعي الذي يمثل نحو 40 في المئة من الإمدادات.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأحد الماضي إن “نقاشات نشطة” تجري مع دول أوروبية بشأن حظر واردات النفط الروسي، لكن مسؤولين أوروبيين قللوا من أهمية الفكرة الاثنين معتبرين أنه لا يمكن ضمان إمدادات القارة في هذه المرحلة.

وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتس في بيان أن “أوروبا تعمدت استثناء إمدادات الطاقة الروسية من العقوبات”، مضيفا “لا يمكن ضمان إمدادات الطاقة الأوروبية لإنتاج الحرارة والتنقل والكهرباء والصناعة بأي طريقة أخرى في الوقت الحالي”.

وبرزت مؤشرات على شكل تأثير انسحاب للغرب من موسكو على المشهد الجيوسياسي، فالأزمة الأوكرانية رفعت الرهانات في محادثات الملف النووي الإيراني والتي يمكن أن تلغي العقوبات الأميركية عن قطاع النفط الإيراني.

وفي تحول آخر على ما يبدو وهو نادر الحدوث أصلا، توجه مسؤولون أميركيون إلى فنزويلا في نهاية الأسبوع الماضي لإجراء محادثات مع حكومة نيكولاس مادورو من أجل ضخ المزيد من براميل النفط في السوق لكبح الأسعار.

والدولة الواقعة في أميركا الجنوبية كانت في ما مضى من أكبر موردي النفط للولايات المتحدة، لكن واشنطن أوقفت الاستيراد منها في 2019 عقب فرض عقوبات عليها.

وبالمقارنة تعتبر إيران في وضع أفضل لزيادة الإنتاج فيما تبرز تساؤلات أكثر بشأن فنزويلا نظرا إلى وضع البنى التحتية لديها. وأبدت شركات محلية كبرى مثل إيكسون موبيل وشيفرون حذرا بشأن زيادة الاستثمار ردا على ارتفاع أسعار النفط لأسباب منها تشكيك وول ستريت إزاء خطط حفر كبيرة. وحولت الشركات جزءا من أموالها الإضافية من الأرباح المرتفعة، إلى توزيع عائدات الأرباح على المساهمين وإعادة شراء الأسهم. وبقاء سعر النفط فوق 100 دولار للبرميل من شأنه على الأرجح تحفيز مزيد من النشاط، لكن المنتجين يراقبون المشهد الدولي لمعرفة تطورات الوضع.

ويواجه مشروع قانون بايدن “إعادة البناء بشكل أفضل” والذي يعد دعامة سياساته المتعلقة بالمناخ صعوبة في إقراره في الكابيتول هيل، حتى قبل أن يتحول انتباه الأميركيين إلى ما يحدث في شرق أوروبا. ويقول منتقدو بايدن في الحزب الجمهوري إن الأزمة تسلط الضوء على الحاجة لإعادة النظر في سياسات البيت الأبيض مثل التراجع عن خط أنابيب كيستون ومساحات حفر في ألاسكا وغيرها من الأماكن ذات الحساسية البيئية.

لكن نشطاء البيئة يرون أن ما تثيره الأزمة ليس الحاجة إلى إنتاج المزيد من النفط المحلي، وإنما الاستثمار أكثر في المركبات الخضراء والطاقة المتجددة.