الاقتصاد العالمي يترقب تحولا في السياسات النقدية الأميركية

وجّه صانعو السياسات النقدية في العالم أنظارهم إلى الولايات المتحدة لمتابعة السياسات، التي يُفترض أن يتبعها الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) في الفترة المقبلة لإحداث اختراق ولو بسيط بشأن تخفيف قيود التشديد النقدي للإقراض.

ويتوقع خبراء أن يخفف الاحتياطي الفيدرالي وتيرة رفع معدلات الفائدة الأسبوع المقبل، فيما يتأثر الاقتصاد الأميركي بأقوى الخطوات منذ عقود لحكام البنك المركزي بهدف كبح التضخم.

لكن الزيادة نصف نقطة التي يتوقع المحللون أن يروها في معدل الإقراض الأساسي للاحتياطي ستشكّل مع ذلك زيادة حادة، في وقت يكافح المركزي لتخفيف الطلب في الولايات المتحدة على أمل خفض أسعار المواد الاستهلاكية.

وتعاني العائلات في أكبر اقتصاد في العالم من ارتفاع حاد في الأسعار، بينما تفاقم الوضع جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي مسعى لزيادة كلفة الاستدانة، رفع الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة ست مرات هذا العام أربع منها بواقع 75 نقطة أساس ليصل المعدل إلى ما بين 3.75 و4 في المئة.

وهذا الوضع أدى إلى جعل البنوك المركزية حول العالم ومن بينها الخليجية تعمل على اقتفاء أثر هذه الزيادات التي في العادة تغري المستثمرين والمقرضين لتحقيق مكاسب أكبر.

ويعتقد أورين كلاشكين من أكسفورد إيكونوميكس في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية أن “الوضع مهيّأ لزيادة (بنصف نقطة) هذا الشهر”، بينما تظهر قطاعات تتأثر بشكل بالغ بمعدلات الفائدة مثل العقارات والتضخم مؤشرات على التحسن.

وسيتم الإعلان عن النتيجة بعد اجتماع لتحديد السياسات يستمر ليومين تعقده اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة اعتبارا من الثلاثاء المقبل.

ويتابع صانعو السياسات عن كثب زيادة الأجور، نظرا للمخاوف من أن زيادة الرواتب ستفاقم الضغوط المرتبطة بالتضخم.

وقال مارتن وورم من موديز أناليتكس إن “مصدر القلق الرئيسي بالنسبة للفيدرالي هو في الحقيقة زيادة الأجور”، مستبعدا أن يخفف المركزي سياساته إلى أن يتم تحقيق تطور منسجم في هذا المجال.

وأضاف وورم “لا يعني ذلك بالضرورة أنه سيواصل رفع المعدلات إلى ما لانهاية، لكنه يعني أن المعدل سيزداد قليلا ويبقى مرتفعا على مدى العام المقبل”.

وفي ظل معدل أساسي أعلى، بات الحصول على قروض من أجل شراء السيارات والعقارات أو توسيع الأعمال التجارية أكثر كلفة.

ورغم خطوات الاحتياطي الفيدرالي الملموسة، بقي معدل التضخم في أسعار المواد الاستهلاكية عند 7.7 في المئة في أكتوبر بينما بقيت المكاسب في قطاع التوظيف قوية، ما أثار قلق الأسواق من إمكانية تمديد البتك المركزي حملته المتشددة.

وذكر جيمس نايتلي خبير الاقتصاد لدى آي.إن.جي بأن “سوق الوظائف القوي وارتفاع الأجور وكشف ميزانية العائلات القوي تشكّل مراكز دعم أساسية” للطلب.

وأوضح أن ثروات العائلات ازدادت بمبلغ قدره 30 تريليون دولار منذ بدء الوباء، ما سمح للمستهلكين باستخدام مدخراتهم مع ارتفاع تكاليف المعيشة.

لكنه أشار إلى “أننا نشهد استخداما أكبر للقروض الاستهلاكية وبطاقات الائتمان لتمويل الإنفاق ما قد يلمح إلى بعض مؤشرات الضغط وبأن جهود العائلات للمحافظة على مستوياتها المعيشية بدأت تنفد”.

وحذّر رئيس الاحتياطي جيروم باول من أنه سيتعيّن على الأرجح إبقاء السياسة النقدية مشددة “لبعض الوقت” وإن حل موعد تخفيف وتيرة رفع المعدلات في ديسمبر.

وقال في خطاب إن “توقيت هذا التخفيف أقل أهمية من الأسئلة بشأن إلى أي مدى سيحتاج المسؤولون لرفع المعدلات والمدة التي سيتعيّن عليهم خلالها إبقاء السياسات تقييدية”.

وبينما يعتقد العديد من الخبراء بوجود احتمال كبير بحدوث ركود، بحسب وورم، سيعني ذلك على الأرجح انكماشا ضئيلا في إجمالي الناتج الداخلي.

وقال “ما لا يمكننا توقعه بالضرورة هو أزمة مالية كبيرة كتلك التي شهدها العام 2008.. مازالت قطاعات الاقتصاد الكبرى في وضع جيد للغاية”.

وانتعش الاقتصاد الأميركي بقوة بعد كوفيد ما أدى إلى تحسن الأجور بينما حققت الأعمال التجارية الأميركية أيضا أرباحا في فترة الإغلاق، ما ساهم في صمود الاقتصاد رغم تشديد الاحتياطي الفيدرالي القيود بشكل كبير.

وذكر نايتلي بأن صانعي السياسات يحافظون على عقلية أن خطر القيام بالقليل يتجاوز خطر اتّخاذ الكثير من الإجراءات.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالصين تملأ فراغ نزوح شركات السيارات الغربية من روسيا
المقالة القادمةالقطاع المصرفي في لبنان يصارع من أجل البقاء