البنزين يقلّص حجم قطاع شركات التاكسي الخاصة

استفتت “نداء الوطن” أحوال عينة من السائقين موزعين على المتن، كسروان، وجبيل وكانت النتيجة ان عدداً كبيراً منهم ثاروا على الوضع القائم بترك المكتب او تنويع اقتصادهم بين عمل آخر وقيادة السيارات او بيع النمرة الحمراء التي ما عادت تؤمن لهم أي مبلغ. نعمه (متن) انتقل الى العمل على حسابه الخاص وتوصيلات خاصة، فدوام العمل تحول دواماً على محطة البنزين بدون أي مردود، فبات جزءاً من ادوات العمل، هذا ان استطاع “التفويل” وتلك لا تخدمه الا بضع ساعات. يصف نخول (جبيل) احواله بوقائع “بهدلة معلنة” أمام اللبنانيين او السواح على حد سواء، الذين لا يعرفون بالمنطقة. نمط الذل هذا ادى به الى ترك العمل، بعد ان كان يعمل سائقاً في مكتب يومياً. مع ذلك، ما زال نخول ينتظر اتصال المكتب الذي يغيب عنه لاسابيع بعد أن توقف عن تفعيل سياراته المستخدمة بسبب انقطاع الوقود واكتفى بتقليص عدد السيارات التي يقتطع من نسبة ارباحها خمسة عشر بالمئة تاركاً المهمة الشاقة بالـ”ركض” خلف البنزين له، فان صرف خمسة وسبعين الف ليرة على البنزين لا يمكنه تعويضها حتى بعشرة آلاف ليرة.

يشترط عدد من السائقين على المكتب مقاسمة سعر الصفيحة معهم ومع ذلك بطرس يفضل البقاء في المنزل من حرق طاقة سيارته والمخاطرة بها. هذا الخوف يتلاشى لدى من لا يملك مهنة اخرى وتخطى عمره الخمسين كالعمّ سركيس (متن) الذي يلخص معادلة وظيفته بانه ان لم يؤمن وقوداً لن يعمل في ظل الوتيرة المتقطعة للزبائن، فعاملان يلعبان في مصيره فان توفر الزبون قد لا يتأمن الوقود، متمنياً ان يكون له ظهر في محطة ما، ليسرّع في عملية التعبئة التي تقضي على نهار عمل كامل او اثنين صارفاً ما “جناه” من وقود على المحطة خلال ساعة، لا ترد له تعبه الذي يتقاسمه مع رب العمل.

لا تراعي شركات التاكسي الخاصة السائق ولا الزبون على حد سواء. هم سواسية بالنسبة الى “الليرة” في ظل السوق السوداء المتحكمة ايضاً في المكاتب وغياب التسعيرة الثابتة لكل مكتب في المنطقة الواحدة. هؤلاء، اي اصحاب المكاتب على حد تعبير عدد من السائقين السابقين الذين فقدوا الامل من المهنة لـ”نداء الوطن”، يعتمدون على “قطعة” سيارات التاكسي، غير الملتزمة بمكتب، من البنزين او على حاجة المواطن. وتكون النتيجة بذلك اسعاراً مخيفة، اختلفت بين مرحلة ما قبل الازمة وما بعدها فبينما كانت التسعيرة من جونية الى المطار تناهز المئة الف ليرة اصبحت اليوم تصل الى الـخمسمئة الف وحتى الى المليون. اما الحجة فهي السوق السوداء للوقود وسعر الصرف عند اصلاح السيارات.

كما في السياسة كذلك في مكاتب التاكسي الخاصة المنقسمة داخلياً الى قسمين: مستثمرين في المكتب وهم اصحاب السيارات الذين يقودونها، وقسم هو صاحب المكتب نفسه الذي لديه سيارات ملكه ونمره له وسائقين ملحقين به يعتبرون من حاشيته فينقسم العمل بذلك الى طبقات. هكذا يتم تنفيع “زلم” صاحب المكتب قبل المستثمرين في الطلبيات. في هذه المصلحة التي لا يتوقف فيها الهاتف، استراتيجيتها هي عبارة عن تقسيم المناطق الى “زونات” في كل منها سائقون يغطونها وتعتمد تلك على موقع المكتب فان كان الاساس في المتن تكون الافضلية الى ضواحي المنطقة.

تشاؤم اصحاب مكاتب السيارات “يُجسّ نبضه” من قدرته على الرد على اتصال “نداء الوطن” فبعضهم اقفل هاتفه بالكامل كنقيب شركات التاكسي شارل ابو حرب الذي تعذر علينا الوصول اليه، او عدد كبير أقفل ابوابه من الاصل. ومن الذين تمكنا التواصل معهم مدير شركة خاصة في كسروان جورج صفير الذي يؤكد خبر هروب عدد كبير من السائقين الذين يستعملون سياراتهم الخاصة من “التجنيد الاجباري” على المحطات، فبقي في مكتبه 18 سيارة من اصل 40، لتكون بذلك سيارة او سيارتان من الذين لديهم بنزين قادرة على تلبية طلبيات الزبائن. يحسم صفير شأن المكتب من حيث الدوامات فالسيارات لا تلبي اي اتصال لانها متوقفة صباحاً لانشغال موظفيه في مهنة “تعبئة الوقود” في المحطة. يتعاطف صفير مع الموظفين لديه فنصفهم استأجر النمرة للاسترزاق ولديهم كمبيالات لا يعرف كيف يتم تأمينها وهذا ما يشكل عائقاً معيشياً لهم. حَذَر مدير مكتب كبير من رفع سعر التوصيلة خوفاً من خسارة كل الزبائن، اذ توقف عدد كبير من الموظفين في الشركات عن طلب التاكسي فهم على حد وصفه غير قادرين على “الدوزنة” بين اجرة الطريق واجرة التاكسي، التي تتفوق على مردودهم اليومي لو رفع بدل النقل الى الـ 24 الف ليرة. يتوقع مرحلة اقفال المكتب بنسبة 90% ان تم رفع سعر صفيحة البنزين، وهو أمر يتوقع خلال الايام القادمة، فلا يمكن لا السائق ان يتحمل الفواتير ولا المواطن.

 

مصدرنداء الوطن - ريتا بولس شهوان
المادة السابقة“العز” للمازوت المهرّب… والشرعي “شنق حالو” بـ”حبل” رفع الدعم المُموّه
المقالة القادمةبدء تفريغ أول شحنة نفط عراقي في خزانات دير عمار