التعامل مع الصندوق “عالقطعة” يُعمّق الأزمة ولا يحلّها

في كلمته المسائية في جلسة مجلس النواب المخصصة لمناقشة البيان الوزاري، قال الرئيس نجيب ميقاتي: “بدأنا بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي. والأمر ليس نزهة. ونحن مضطرون للقيام بهذه الخطوة”. الأمر الذي أثار التساؤلات عن كيفية البدء في المفاوضات قبل الاتفاق على الخطة الاقتصادية، وتقسيم الخسائر، وتحديد الفريق المفاوض، ومواعيد الجلسات التي يعلن عنها صراحة.

رئيس مجموعة FFA PRIVET BANK جان رياشي يعتبر أن الحكومة الحالية وحّدت جميع الأفرقاء في السلطتين السياسية والنقدية في فريق واحد. فلم يعد “المركزي” طرفاً معادياً للحكومة، بعدما تمثل فيها بقوة في وزارة المالية. والأرجح أن الفريق اللبناني الجديد سيبدأ في المفاوضات من حيث انتهت الارقام المقدمة من المركزي ولجنة المال والموازنة النيابية. وعليه فان “لغم” الاشكالية الأساسية المتمثلة بكيفية توزيع الخسائر، أي الإلتزامات غير المسددة، الذي فجّر الوفد اللبناني من الداخل، “دُفن” تحت طبقات كثيفة من “ردميات” الانهيار الاقتصادي طيلة الفترة الماضية”.

بناء على هذا الواقع المستجد فان من سيتحمل توزيع الخسائر هم أصحاب الرساميل والمودعون، وهناك جهة ثالثة ممكن أن تتحمل وهي الدولة، من خلال أصولها لتغطية جزء من الخسارة. إلا ان هذا “موضوع جدلي كبير” برأي رياشي، “ذلك أنه في مقابل اعتراض البعض على استعمال ممتلكات الدولة لتغطية خسائر المودعين، يعتبر البعض الآخر أن كل المواطنين استفادوا من الهندسات المالية وتثبيت سعر الصرف الذي يدفع ثمنه اليوم المودعون. وبغض النظر عن هذه الاشكالية يعتبر رياشي أنه من “غير المعلوم ماذا سيكون موقف صندوق النقد. فمشكلة الاخير مع استعمال أصول الدولة لتغطية الخسائر لا تتعلق بفلسفة الغاية منها، إنما لأن بقاء هذه الاصول في يد الدولة يساهم باطفاء خسائرها وتخفيض العجز في موازنتها، سواء من خلال بيعها أو تخصيصها أو استخدامها بشكل جيد

المدير السابق للمحاسبة العامة في وزارة المالية امين صالح يرى من جهته أن “هناك خطة مالية نقدية اقتصادية متفقاً عليها بين صندوق النقد الدولي وكل من السلطات السياسية والنقدية والمالية في لبنان. وقد نفذ القسم الأكبر منها، والباقي هو استكمال الدعم ووضع أملاك الدولة ومرافقها العامة في يد القطاع الخاص عبر مشاريع الشراكة”. وبرأيه فانه جرى إفشال خطة التعافي، (كان صندوق النقد يميل لها في تحديد الخسائر) من قبل المركزي ولجنة المال والمصارف التجارية، لانها كانت ستقود إلى أكثر ما يخشونه، وهو توزيع الخسائر ومن يتحمل عبئها. وعليه فان الصندوق كان واضحاً لجهة ضرورة تخفيض سعر الصرف، ورفع الاسعار، ورفع الدعم… وهذه الشروط طبقت جميعها”. إلا أنه بحسب صالح فان الصندوق “نظر بـ”عينيه الإثنتين” إلى الوضع في لبنان من خلال إعراب ممثله في تموز العام الماضي أن خطة التعافي ما زالت تمثل نقطة إنطلاق صالحة ولكن عليها تحديث أرقامها. بينما الحكومة الحالية تقول في بيانها الوزاري: تحديثها أي تحديث الخطة، والفرق كبير، والسلطة ستعيد البحث بخطة التعافي بالارقام ولكنها لم تكتب في بيانها الوزاري كيف ستوزع الخسائر. أي أن السلطة تهرب الى الأمام، بينما مطالب الصندوق واضحة”.

بالاضافة إلى إشكاليات الصراع على توزيع الخسائر والعمل المحترف لبلورة آلية المتابعة عبر لجنة مستقلة متخصصة، يرى الخبير الاقتصادي د. وليد أو سليمان أن هناك عقداً كثيرة تواجه استئناف المفاوضات مع الصندوق، ومنها: إعادة هيكلة القطاع العام ونحن على أبواب الانتخابات، موافقة مجلس النواب على الخطة في حال توصلوا لها، خصوصاً أنها تتطلب موافقته على القرض الذي سيحصل لبنان عليه بموجب الاتفاق، العمل بمتطلبات الشفافية والمحاسبة، وقف التهريب، التوصل إلى نتائج في التدقيق الجنائي، إقرار قانون الكابيتال كونترول… وغيرها الكثير من الأمور التي من المفترض أن تحصل في فترة زمنية قصيرة جداً لا تتعدى 8 أشهر. وبرأي أبو سليمان فان “المفوض على توقيع اتفاقية التعاون مع الصندوق نيابة عن الحكومة هو وزير المال، المعروفة خلفياته. وبغض النظر عن كفاءته فان السؤال عن مدى قدرته على إدانه نفسه”.

أمام هذا الواقع يصح القول أن “الصندوق” سيُستعمل كمظلة لتمرير ما في مصلحة السلطة عـ”القطعة” من دون أن يكون باستطاعة هذه الحكومة التوصل إلى اتفاق جدي معه، يقوم على الاصلاحات الهيكلية والبنيوية في الاقتصاد والقطاعات النقدية، قبل أن يستفيد لبنان من تقديماته المالية.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةنحو إعادة الاعتبار للسلم المتحرك للأسعار؟ | جدول أسعار المحروقات… حبر على ورق
المقالة القادمةالأسعار الإستهلاكية تنخفض “بخجل”… فماذا عن تأثير ارتفاع المحروقات؟