السياحة اللبنانية تئن تحت وطأة فقدان المحروقات

وجد قطاع السياحة اللبناني نفسه في معركة من أجل البقاء بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد وأدت إلى عجز الدولة عن توفير الوقود ومدفوعا أيضا باختفاء الزوار بشكل ملحوظ بفعل تقلص مداخيل المواطنين وغياب السياح الأجانب. وبات كثير من أصحاب المطاعم والمقاهي يخشون حدوث الأسوأ في ظل فقدان المحروقات وسط تضاءل كل الآمال بالخروج من هذه الورطة وبعد أن كانت البلاد تراهن على السياحة الوافدة في فصل الصيف، للتعويض قليلا عن الخسائر الفادحة التي أصابت الاقتصاد لاسيما السياحة أحد أكبر القطاعات الاقتصادية في لبنان. ومنذ أواخر العام 2019 تعصف بالبلاد أزمة اقتصادية حادة، تزامنت وجائحة كورونا، وانفجار ضخم بمرفأ بيروت في أغسطس العام الماضي، فضلا عن أزمة سياسية تتمثل بفشل تأليف حكومة جديدة.

ولأن الوقود لم يأت بما تشتهيه سفن هذا القطاع، تلقت المؤسسات السياحية ضربة بسبب انقطاع الكهرباء عنها، ما دفع قسما كبيرا منها إلى إقفال أبوابه والتوقف عن العمل. ففي شارع الحمرا أبرز معالم بيروت، عُلقت على أبواب أحد المطاعم الشهيرة التي أقفلت لافتة تقول “بسبب الوضع الكارثي وأزمة المازوت، قررت الإدارة وقف الخدمات حتى إشعار آخر”، ومثله فعل كثيرون في هذا القطاع. ونتيجة عدم وفرة النقد الأجنبي الكافي لاستيراد الوقود من الخارج، تعاني البلاد منذ أشهر شحا في المشتقات النفطية، ما تسبب بانقطاع الكهرباء لساعات طويلة عن المنازل والمؤسسات التجارية.

ويقول سمير يعقوب عضو نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي، لوكالة الأناضول، إن نسبة المؤسسات التي أقفلت أبوابها تبلغ نحو 35 في المئة، فيما بعضها يعمل بدوام جزئي بسبب عدم توفر الوقود والكهرباء. وفضلا عن تأمين الكهرباء التي تحتاجها المؤسسات، فإن شح المشتقات النفطية يؤثر سلبا على حركة التنقل في الشوارع، وهذا ينعكس انخفاضا في أعداد الزبائن، بحسب المتحدث.

ويجمع الخبراء على أن أوضاع القطاع السياحي تعتبر المقياس الأول لحالة اقتصاد البلاد، وأن حجم النشاط في قطاعات كثيرة يعتمد على مدى ازدهار الحركة السياحية لكنه اليوم أمام تحديات لا حصر لها وليس من المتوقع أن يتجاوزها قريبا. ويقول النقابي غسان عبدالله إن ما تبقى من مؤسسات سياحية مفتوحة أبوابها، تواجه تكاليف عالية في التشغيل وصعوبات كبيرة في الاستمرار في ظل غلاء أسعار السلع والمواد الأولية. ويؤكد عبدالله وهو أمين سر نقابة المؤسسات السياحية في لبنان، أن المؤسسات تعاني نقصا حادا في المازوت (الديزل)، الذي تشتريه من شركات الاستيراد والتوزيع، لذلك تلجأ إلى شرائه بأسعار مرتفعة جدا من السوق السوداء.

ويعد المازوت ضروريا لتوليد الكهرباء من المولدات الخاصة بالمؤسسات، ولتعويض النقص الكبير بالطاقة التي تنتجها محطات توليد الكهرباء الحكومية بسبب شح وقود الفيول المخصص لتشغيل تلك المعامل. ويوضح عبدالله قائلا إن “المؤسسات تشتري صفيحة المازوت سعة 20 لترا من السوق السوداء بسعر يتراوح ما بين 350 ألف ليرة لبنانية (231.7 و265 دولارا وفق السعر الرسمي)، بينما سعرها الرسمي يبلغ نحو 98 ألف ليرة (65 دولارا)”.

وقبل الأزمة الراهنة حاول لبنان توجيه أنظاره إلى آخر ملاذات الاقتصاد المتعثر بالرهان على السياحة خاصة بعد أن تقلص أعداد السياح الخليجيين المحرك الأول للقطاع، في خضم أزمات كبّلت انتعاش النمو المحاصر بالتجاذبات السياسية. ويقول علي سعد، وهو صاحب مطعم لبيع الفول والحمص في شارع الحمرا، إن ثلاثة مطاعم أقفلت أبوابها من حوله، ويتخوف أن يأتي الدور عليها. وإلى جانب أزمة الوقود والكهرباء، يعاني سعد من انقطاع الغاز أحيانا وكذلك مياه الشرب، فضلا عن غلاء المواد الأولية وتأخر التجار في تأمينها. وكل هذه الصعوبات، إلى جانب الإقبال الخفيف للزبائن في الفترة الأخيرة، دفعت بسعد للقول إنه يعمل كل يوم بيومه، ولا يعلم ما إذا كان سيفتح مطعمه في اليوم التالي. ويضيف أن مطعمه لم يُقفل طيلة 40 عاما، على الرغم من الظروف الصعبة التي مرت على البلاد في العقود الماضية، لكنه اليوم مهدد بالإقفال بشكل حقيقي.

 

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةنشاط متزايد للبنوك الأوروبية في الملاذات الضريبية
المقالة القادمةمصر تفتح باب الاستثمار بمحطات شحن المركبات النظيفة