الليرة تخسر قيمتها في مقابل… الليرة!

ربّما يكون سكّان البلد قد «تعايشوا» مع وجود سعر صرف «رسمي» يبلغ 1515 ليرة لكلّ دولار، وسعر صرف المنصة المُحدّد بـ3900 ليرة/ دولار، وسعر صرف «التطبيقات الإلكترونية»، وسعر «إنساني»، وسعر صرف المستشفيات، وسعر صرف الشيك (ما بين 3000 ليرة و3100 ليرة)… فكلّ لاعب في السوق فوّض نفسه صلاحية تحديد قيمة النقد من دون أي مُسوّغ قانوني وتحديد سعر صرف الدولار كما يُناسبه، وفرضه على من يُريد التعامل معه. وحده المسؤول عن السياسة النقدية، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قرّر «الترفّع» عن واجبه وعدم ضمان «سلامة النقد». من خلال التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان، وإدارته للسياسة النقدية، المُفتقِدة إلى إجراءات تنظيميّة ورقابيّة، لم يتأثّر سعر صرف العملة الوطنية إزاء الدولار وحسب، بل بات لليرة اللبنانية سعران مقابل الليرة نفسها: واحد لليرة المودعة في المصرف والثانية لليرة النقدية. خُلقت «سوق ليرة» جديدة بعد أن ارتأى سلامة أنّ الحلّ الوحيد لخفض الاستهلاك وتقليل الطلب على الدولار، هو في تخفيف النقد بالليرة من التداول.

ولكن سحب الليرة من دون إجراءات تُخفّف من انعكاسها على البطالة وتأمين السكّان لحاجاتهم وخلق فرص عمل وإعادة تفعيل بطاقات الدفع الإلكترونية… يكون عبثياً ويؤدّي إلى نتائج كارثية كالتي يشهدها لبنان حالياً، ومنها أن وصلت العمولة على الليرة النقدية في السوق إلى 11%. يعني أنّ شيكاً بقيمة 100 مليون ليرة، يُساوي حالياً 89 مليون ليرة نقداً. في الحالات «الطبيعية» كانت النسبة بحدود الصفر، ولكنّها ارتفعت في الأسابيع الماضية، نتيجة زيادة الطلب على الدولار الذي قادته المصارف بعد أن قرّرت تحسين ملاءتها لدى المصارف المراسلة في الخارج، وجمع سيولة 3% (تنفيذ التعميم 154) من السوق المحلية عبر الضغط على الليرة.

حاكم «المركزي» يُدرك كلّ الألاعيب التي تقوم بها المصارف في السوق، ولكنّه لا يردعها بل يخترع لها إطاراً قانونياً. ففي تشرين الأول الماضي، قنّن «المركزي» الليرات المسموح للمصارف سحبها من حساباتها الجارية لديه، وبالتالي فرض سقفاً لسحوبات المودعين بالليرة. يومها، «اتّهم» سلامة المصارف خلال اجتماعٍ للمجلس المركزي بأنّها «تأخذ الليرة وتُبادلها بالدولار لدى الصرّافين»… بعد أربعة أشهر من ذاك «الاعتراف»، سجّلت الليرة المزيد من الانهيار عبر بلوغ سعر صرف الدولار 10 آلاف ليرة. ويقول عاملون في القطاع المالي إنّ العمولة على الليرة النقدية مُرشحة للارتفاع، طالما أنّ الحاجة إليها مرتفعة.

أولاً، المستوردون مُجبرون على تأمين قيمة فواتيرهم نقداً بالليرة، وتوقّف كثيرٌ من المحال عن قبول الدفع عبر البطاقات الإلكترونية.

ثانياً، يرفض الصرّافون أو «السماسرة» بيع الدولارات لقاء شيك بالليرة، فيشترطون الدفع عبر «شيك دولار» أو ليرة نقدية.

يقول مسؤول في لجنة رقابية إنّ «الكتلة النقدية عبارة عن ورق وحسابات جارية، ضبط تداولها يتمّ عبر اتّخاذ خطوات عدّة تبدأ من اتّخاذ مصرف لبنان إجراءات تنفيذية. وإلا كلّما زادت الكميات المطبوعة سيرتفع الدولار إلى ما لا حدود له، خاصة أنّ كلّ ليرة قابلة للتحويل مُباشرةً في السوق إلى دولار. ولا يزال يوجد 111 مليار دولار (لبناني) داخل القطاع المصرفي». وكل تحويل لهذه الدولارات إلى ليرات، من دون ضوابط اقتصادية ونقدية، سيجعل سعر صرف العملة يحلّق بلا سقف.

المصارف حالياً «تمتنع عن قبول شيكات، وفتح حسابات جديدة، و«تُبهدل» المودع الذي يُريد استخدام بطاقات الدفع الإلكترونية. لم يُترك حلّ أمام الناس سوى استخدام النقد». لذلك على «المركزي» حلّ هذه المُعضلة أوّلاً «لأنّه لا يُمكن خنق الناس».

مصدرجريدة الأخبار - ليا القزي
المادة السابقة“أوجيرو”: تبلّغنا اليوم قرار إقفال منصّات الدولار الإلكترونية
المقالة القادمةسائقو السيارات والفانات العمومية يرفضون التسعيرة ويهدّدون بالتصعيد