المصارف «تتباهى» بخسائرها: الهروب من كلفة الانهيار

استباقاً لأيّ تغيير في سعر الصرف، ووضع خطة إصلاح مالي أو قانونٍ ما يُجبرها على تحمّل مسؤوليتها عن الأزمة وردّ أموال مالكيها والمُساهمين وكبار المودعين المُحوّلة إلى الخارج ودفع أموال المودعين، «تفاخرت» المصارف التجارية اللبنانية بخساراتها وفقدانها لأموالها الخاصة (تتضمن الرساميل)، ظنّاً منها أنّها بذلك تحمي نفسها، على قاعدة «لا أملك المال لأدفعه». ورغم أنّ الخسائر كبيرة، إلا أنّ ذلك لا يُشكّل سوى جزءٍ منها، لأنّ الأرقام تُظهر الخسائر المُسجلة ولا تكشف ما أخفته المصارف من حقائق، ولا توضح ما إذا كانت الخسائر مُقسطة على سنوات عدّة.

تُشير حسابات مصرف لبنان، إلى أنّ خسائر القطاع المصرفي لسنة 2020 بلغت نحو 3.3 مليارات دولار، وحسابات الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021 أظهرت خسائر بـ 3.4 مليارات دولار كخسائر. الأرقام المُسجلة في الدفاتر ضخمة جدّاً لفترة زمنية لا تتخطّى الـ 3 أشهر، وهي تفوق ما سُجّل طوال العام السابق. واحدٌ من الأسباب أنّ المصارف بدأت هذه السنة تكوين المؤونات (الأموال التي تُجمع لتغطية خسائر متوقعة في سنة مالية، وتُحسم من حساب الربح أو الخسارة) على التوظيفات لدى مصرف لبنان (حدّ أدنى 1.89%)، وسندات الدين بالعملات الأجنبية، «اليوروبوندز» (حدّ أدنى 45%)، كما ورد في التعميم 143 الصادر عن مصرف لبنان، وسمح بتقسيط المؤونات على خمس سنوات، مُتخطياً القواعد المحاسبية بأنّ المؤونات يجب أن تعكس نتيجة سنة مالية مُحددة.

أواخر عام 2019 وبداية 2020، بدأت المصارف تخفيف مصاريفها إلى الحدود الدنيا، مع طرد موظفين وإغلاق فروع ورفض فتح حسابات جديدة بالليرة وتخفيض الفائدة التي تُدفع على الودائع. هذا «التقشّف» في الإنفاق يُقدّر بحدود الـ 6 مليارات دولار، وقد قابله نقص في الإيرادات بقيمة مليار دولار فقط، نتيجة توقّف الدولة عن دفع الفوائد على «اليوروبوندز». إلا أنّ مدخول المصارف مؤمّن من الفوائد التي يدفعها مصرف لبنان على شهادات الإيداع والتوظيفات لديه، وفوائد الدين بالليرة. ما تقدّم يعني أنّ المصارف، وبعدما بدّدت أموال المودعين، حرمتهم من الفوائد، في مقابل الاستمرار في قبض فوائد على حسابهم ومن ودائعهم التي وظّفتها لدى مصرف لبنان. وقد باعها الأخير دولارات المودعين على أساس سعر صرف 1507.5 لتكوين مؤونات على «اليوروبوندز»، مُحتفظاً لنفسه بحقّ شرائها من جديد على أساس سعر صرف المنصّة! إذاً «من يتحمّل كلفة تكوين الخسائر هي حسابات المودعين، نتيجة الفروقات بين ما توقّفت المصارف عن دفعه وما تقبضه من مصرف لبنان»، يقول بطيش

يُخبر النقيب السابق لخبراء المحاسبة المُجازين، أمين صالح أنّه كان يُفترض «احتساب المؤونات سنوياً على الدين العام وبقية القروض المشكوك بتحصيلها، وخصمها من حساب الأرباح». عوض ذلك، كان الهمّ «تظهير أنّ الوضع المالي سليم، وعدم كشف الحقائق، ليتمكّن المساهمون في المصارف من توزيع الأرباح وترحيلها إلى الخارج». يُضيف صالح أنّه حين لم يعد مُمكناً الاستمرار في تسويق كذبة «الوضع بخير»، وبعد الاستفادة لسنوات طويلة، «تسعى المصارف إلى تظهير خسائرها، موجّهةً رسالة أنّها على شفير الإفلاس أو مُفلسة، ولا يُطالبها أحد بإعادة الأرباح المُحققة، ودفع ودائع الناس».

مصدرجريدة الأخبار - ليا القزي
المادة السابقة«بطاقة التمويل» في دوّامة تحديد المستفيدين
المقالة القادمة“الكابيتال كونترول” ينافس “التدقيق الجنائي”: النظام ما زال “عايزاً ومستغنياً”