المعاملات الإدارية شبه مستحيلة في لبنان.. كلفةً ووقتاً

يُعاني لبنان منذ ما قبل الأزمة الاقتصادية وأزمة كورونا العالمية، من تدنّي مستوى خدمات المواطنين الإدارية. وازدادت هذه الخدمات سوءاً في السنوات الأخيرة الثلاث، لأسباب عدة: حضور الموظفين المتقطع إلى عملهم في الإدارات الرسمية، فقدان المال اللازم لتقديم الخدمات، واعتماد الإدارة اللبنانية إدارية أساليب بالية مرّ عليها الزمن. ويسري ذلك على المعاملات الإدارية كلها: السجل العدلي، إجازة سوق سيارة.. إلخ. وعانى المواطنون من فقدان الطوابع البريدية، كذلك الطوابع المالية. فإداراتها، كغيرها من الإدارات، تشهد غياباً للموظفين، وفقدانًا للأوراق اللازمة. فموظفو الإدارات لا يدامون إلا في أيام قليلة محددة في الأسبوع، شأن معلمي المدارس الرسمية والجامعة اللبنانية، لأسباب يعرفها الجميع: رواتبهم لا تكفي لكلفة النقل.

وتُعتبر الوثائق المذكورة أعلاه من الخدمات البسيطة التي لا تحتاج وقتاً. وهي باتت مكلفة مادياً، ومعقدة إداريًا، والحصول عليها مقتلة للوقت. وهناك وثائق أخرى تحتاج وقت أطول بكثير. فعلى سبيل المثال يحتاج طلب الحصول على سند تمليك بدل عن ضائع من أمانة السجل العقاري إلى حوالى شهر كامل وأحياناً أكثر، في حال لم يُرفق الطلب بالمبلغ المناسب رشوة بل إكرامية للموظف.

وآليات الحصول على المستندات الإدارية في لبنان لا تزال على حالها منذ زمن ما قبل الحرب في السبعينات: دفاتر وسجلات مهترئة. وإذا كانت غير مكلفة ماديًا آنذاك، عندما كان عدد سكان لبنان لا يتجاوز مليوني نسمة، صارت اليوم في زمن الفقر والفاقة، عالية الكلفة، بل كثر لا يستطيعون تحملها. وهو باب واسع للهدر والرشى. فعندما تكون الخدمة مرتبطة بشخص الموظف، يصبح لزاماً إرضاءه كي لا تتأخر المعاملة. لذلك انتقلت كل الدول المتطورة إلى العصر الرقمي، الذي يُعتبر من الإصلاحات الأساسية والواجبة لمواجهة الفساد من جهة، والانتقال إلى إدارة العصرية تسهّل حياة المواطنين. لكن أين نحن اليوم في لبنان من هذا كله؟! فإذا كنا لم نطور الإدارة في زمن الوفرة، فكيف لنا اليوم أن نفعل ذلك في زمن الانهيار الكبير.

في آذار من العام 2018 أعدت وزيرة التنمية الإدارية عناية عزالدين مسودة “استراتيجية التحول الرقميّ لتسهيل المعاملات الإدارية بهدف تعزيز الشفافية والمساءلة والوصول إلى نموذج رشيد في مختلف إدارات الدولة”. إلا أنها كباقي المشاريع لم تُنفّذ بعد. وتقول عزالدين في حديثها إلى “المدن”: “أعددنا استراتيجية دولية حسب المعايير العالمية، وعمل عليها معنا البنك الدولي، وهي تؤمن خدمات المواطنين بأسعار جيدة وشفافية وسرعة. ليصير يكفي المواطن أن يدخل عبر بوابة واحدة معروفة ليشاهد أمامه الإدارات كمؤسسة واحدة، فيقدم طلبه من دون الركض لتأمين أوراق المعاملة، ويدفع عبر منصة واحدة. لكن مع الأسف لم تسمح العقلية اللبنانية لهذه الإستراتيجية أن تُقر”. وتكشف عز الدين أن الوزراء رغبوا بأن يُقسّم التمويل على وزاراتهم. وبعضهم ذهب لاعتبار الربط والتكامل بين الوزارات مناقض لاتفاق الطائف.

وكان يُفترض بالمشروع الذي كان سيمول من البنك الدولي، أن يكّلف 400 مليون دولار، وينقل لبنان خلال 4 سنوات إلى دولة رقمية، لا على صعيد الخدمات فقط، إنما التعليم أيضاً. لكن هذا كله لم يتحقق، لأن هناك من أراد أن تبقى أبواب الهدر والفساد مفتوحة، وأن نُنفق الأموال على منصات متعددة، كالتي نراها اليوم.

لا تزال الاستراتيجية صالحة للتطبيق بغض النظر عن مرور الزمن. وحسب وزيرة التنمية الإدارية الحالية نجلا رياشي عساكر، فإن “النية” موجودة لوضعها على طاولة الحكومة، مشيرة في حديثها لـ”المدن” إلى أن المشكلة أو العائق قد يكون عمر الحكومة، واعدة أن تبذل جهدها لإقرارها، لما لها من أهمية قصوى.

 

مصدرالمدن - محمد علوش
المادة السابقةصندوق النقد: للإسراع في خطة اقتصادية شاملة وإقرار القوانين الإصلاحية
المقالة القادمةزيارة صندوق النقد: فشل ذريع و”التفاهم” ما بعد الانتخابات