زيارة صندوق النقد: فشل ذريع و”التفاهم” ما بعد الانتخابات

انطلقت في بيروت جولة جديدة لوفد صندوق النقد الدولي المكلّف بالملف باللبناني، برئاسة أرنستو راميريز وحضور مجموعة من مساعديه الذين يعملون في إطار الوفد، بهدف تقديم ملاحظات الصندوق الرسميّة على جولة المباحثات السابقة، واقتراح جدول أعمال جولة المباحثات المقبلة.

الزيارة التي استهلّها الوفد بزيارة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، يُفترض أن تُستكمل اليوم وغدًا بزيارات لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الجمهوريّة ميشال عون، بالإضافة إلى اجتماعات تقنيّة مع وزير الماليّة يوسف الخليل.

من الناحية العمليّة، كان لبنان قد تلقّى خلال جولة المحادثات السابقة انطباعات وفد الصندوق الأوليّة حول خطّة توزيع الخسائر التي قدمها في الاجتماعات، والتي كانت بمجملها سلبيّة. لكن حساسيّة الجولة الراهنة، رغم قصر مدتها التي لا تتجاوز الثلاثة أيّام، تكمن في الملاحظات التي سيقدّمها هذه المرّة وفد الصندوق بشكل رسمي ومكتوب، بعد أن قامت بعثة الصندوق بدراسة تفاصيل الخطّة وأرقامها خلال الأيّام الماضية. وبذلك، سيكون الوفد اللبناني المفاوض، ومن خلفه الحكومة اللبنانيّة، أمام مفترق طرق حاسم، بين إعادة صياغة الخطّة وسائر إجراءات الحكومة بما يتماشى مع الشروط الإصلاحيّة المطلوبة من لبنان، أو العودة إلى نقطة الصفر خلال جولة المحادثات المقبلة إذا لم يحدث ذلك. كما من المرتقب أن يطلب وفد الصندوق خطوات واضحة من الحكومة اللبنانيّة قبل جولة المحادثات المقبلة، كشروط مسبقة لضمان نجاحها والانتقال إلى التفاوض الرسمي لاحقًا.

حسب عدّة مصادر مواكبة لمسار المحادثات بين لبنان وصندوق النقد، يطلب صندوق النقد اليوم مجموعة من الخطوات من جانب الحكومة اللبنانيّة، لإضفاء بعض الجديّة على جولة المحادثات المقبلة، ونقل هذه المحادثات إلى مستوى المفاوضات الرسميّة لاحقًا. الخطوة الأساسيّة الأولى، هي إعادة النظر بخطة توزيع الخسائر التي يطرحها الوفد اللبناني المفاوض، وفقًا لمجموعة من الملاحظات الرسميّة المكتوبة التي سيقدمها وفد الصندوق إلى الحكومة اللبنانيّة في جولته الراهنة. ومن المتوقّع أن تتركّز هذه الملاحظات على ضرورة إبعاد الخطة عن منطق تسييل الخسائر، أي خلق النقد بكميات كبيرة للتعامل مع الجزء الأكبر منها، وهو ما يعني إعادة النظر بالخطّة وتوجهاتها بشكل جذري.

سائر مطالب الصندوق تتمحور حول بعض الخطوات الإصلاحيّة التي يفترض أن تواكب وضع خطّة التعافي المالي وتتكامل معها، والتي يجب أن يتم العمل عليها بالتوازي مع المحادثات الجارية مع الصندوق، كشرط مسبق قبل الانتقال للتفاوض الرسمي، مثل وضع مسودّة جديّة لقانون الكابيتال كونترول، وإطلاق مسار جدّي للتدقيق في ميزانيّات المصرف المركزي. مع الإشارة إلى أن الحكومة اللبنانيّة أرسلت من خلال الموازنة التي أحالتها إلى مجلس النوّاب إشارة بالغة السلبيّة لوفد صندوق النقد، الذي اعتبر أن هذه الموازنة اعتمدت مقاربة محاسبيّة استهدفت الوصول إلى نسبة معيّنة من العجز، بدل اعتماد مقاربة تصحيحيّة تتكامل مع خطّة التعافي المالي التي تعمل عليها الحكومة.

أمّا نقطة ضعف جولة المحادثات المقبلة مع الصندوق، فستكون غياب خطّة الكهرباء عن جدول أعمالها، بعد أن فشلت الحكومة في التوصّل إلى صيغة نهائيّة لهذه الخطة، واكتفت بمنح وزير الطاقة “موافقة مبدئيّة” على مسودة الخطة التي أحالها إلى مجلس الوزراء، مع ربط هذه الموافقة المبدئيّة بالكثير من الشروط والملاحظات التي تحتاج إلى نقاش وتعديل في مراحل لاحقة. مع العلم أن هذه الملاحظات والشروط تمس بجوهر الخطّة وخطوطها العريض، ما يعني أن المسودّة الموجودة حاليًّا لا يمكن اعتمادها في القريب العاجل.

غياب خطّة الكهرباء بالنسبة إلى الصندوق، سيعني غياب ركن أساسي من أركان مسار التصحيح المالي، لكون هذا الملف يرتبط وحده بنحو نصف العجز الموجود في الميزانيّة العامّة للدولة، ما يجعل أي انتظام مالي في هذه الميزانيّة مستحيلاً من دون رؤية لكيفيّة تصحيح وضع قطاع الكهرباء ماليًّا. مع الإشارة إلى أن حجم التباينات بين التيار الوطني الحر وسائر القوى السياسيّة داخل الحكومة حول ملف الكهرباء بات أكبر من أن يتم احتواؤه خلال الفترة القصيرة المقبلة، ما يدفع لاستبعاد أي توافق قريب حول هذا الملف.

جميع المؤشّرات باتت تشير إلى أنّ ميقاتي وفريقه باتوا يدركون أن الاتفاق مع صندوق النقد على تفاهم مبدئي بات شبه مستحيل قبل حصول الانتخابات النيابيّة، نظرًا لضيق الوقت المتبقي، ونوعيّة الإصلاحات التي يطلبها الصندوق كشروط مسبقة قبل توقيع أي تفاهم مبدئي. ولهذا السبب بالتحديد، باتت الحكومة تتعامل مع ملف المحادثات مع صندوق النقد بمنطق تمرير الوقت، وهو ما يفسّر تلكؤها حاليًّا في العمل على مسودّة الكابيتال كونترول كما هو مطلوب، كما يفسّر العمل على تمرير الموازنة بصيغتها الحاليّة قبل تعديلها بما يتماشى مع رؤية صندوق النقد، الذي يصر على ربط بنود الموازنة وأهدافها بخطة التعافي المالي. وأخيرًا، يفسّر ذلك أيضًا مسارعة الحكومة إلى “لفلفة” ملف خطّة الكهرباء داخل الحكومة، عبر صيغة “الموافقة المبدئيّة”، بدل العمل على إنجاز صيغة نهائيّة للخطة يمكن طرحها أمام صندوق النقد.

 

 

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةالمعاملات الإدارية شبه مستحيلة في لبنان.. كلفةً ووقتاً
المقالة القادمةغادة عون تلاحق المصارف: “6 مليارات ضائعة.. نريدها”