بيان وزاري بأسعار صرف متعدّدة: متى تصبح «إعادة الهيكلة» مقبولة؟

من الآن فصاعداً، سيتولى فريق «حزب المصرف» بقيادة الرئيس نجيب ميقاتي، إدارة دفّة الأزمة. في البدء أوكلت المهمّة إلى سلامة ضمن هدف تدمير «خطة التعافي». ومنذ آب 2020 لغاية تشكيل حكومة ميقاتي، وبفعل الفراغ الحكومي، ونجاح سلامة في تدمير «التعافي»، تطوّرت المهمة إلى هدف إطفاء الخسائر عبر تدمير المجتمع. أما اليوم، فإن تشكيل حكومة بقيادة ميقاتي، لا يعني أبداً أن السلطة التنفيذية ستتخلّى عن المشروع الذي أسّس له سلامة، بل على العكس ستتمسّك به أكثر فأكثر.

ثمة مشروع واحد قائم. وفي سياقه، ربما ستطرح الحكومة بفريقها الحالي المؤلف من وزير للمال كان يشغل موقع مدير العمليات المالية في مصرف لبنان، وإلى جانبه بضعة أكاديميين أو تقنيين مغمورين لا خبرة سياسية لهم، إجراءات تحسينية على مسار سلامة. قد يزعم فريق ميقاتي، أو حتى فريق رئيس الجمهورية، أو حتى الحاكم نفسه، أو أي من أعوان الرئيس بري، أن هناك ضرورة لمنح الناس «فرصة» لامتصاص الصدمة أو الصدمات الآتية، تمهيداً لاستكمال «العلاج». «فرصة» كهذه التي نشهدها اليوم في ظل انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة بأكثر من 5000 ليرة خلال أقل من أسبوع. لكن لا، لن يطرح أي فريق مشروعاً مناوئاً لمشروع سلامة، سواء أقرّ البيان الوزاري إعادة الهيكلة أو التصحيح أو الإصلاح. ليس أي من هؤلاء قادراً على صياغة مشروع مضادّ.

أما اليوم، فإن الخسائر تبلغ 66.9 مليار دولار (الدولار محسوب على أساس 1507.5 ليرات). بكلفة 23.3 مليار دولار، اشترى الحاكم وقتاً يمتد على خمس سنوات. في الأسابيع الأخيرة من السنة الخامسة (2020) وقع الانهيار. ومن وقتها إلى اليوم يعاني اللبنانيون من كلفة إدارة الانهيار بواسطة شراء الوقت أيضاً. بدلاً من التصحيح، أو إعادة الهيكلة، أو الإصلاح، ذهبنا نحو تبديد الاحتياطات على «تجارب» الدعم. لم توضع أي خطة واضحة للدعم، ولا لبدايته ولا لنهايته أيضاً. انتهى الأمر بكارثة. من وقتها لليوم، اشترينا وقتاً إضافياً للإقرار بوجود سعر صرف فعلي يختلف عن ذلك السعر المثبت وهمياً بتدخلات مصرف لبنان في السوق، ما ترك المجال مفتوحاً لتعددية أسعار الصرف وخلق مشتقات منها.

صياغة البيان الوزاري ليست سوى تمرين على آليات التسوية وأدواتها. لهذا السبب لا يرد أي مشروع يتعلق بتوحيد سعر الصرف مثلاً. خطوة كهذه تقع ضمن مطالب صندوق النقد الدولي أيضاً (لمحبي التعامل مع صندوق النقد الدولي لوصفات الفقر الممنهج)، لكنها لا تقع حالياً ضمن نطاق مشروع سلامة ــــ ميقاتي. توحيد سعر الصرف، أو تحريره عملياً، قد يعمّق الحروق التي أصابت المجتمع بشدّة وقساوة، لكنه سيطال المصارف أيضاً. ي

أين وزير المال يوسف الخليل من كل هذا النقاش؟ يفترض أن يكون هذا الوزير قائداً لهذا النقاش في مجلس الوزراء. لم يعبّر عن أي وجهة نظر بمقدار ما أظهر في خطابه أن لديه فكرة واضحة عن «علم الاقتصاد المعاصر» القائم على تراكم رأس المال البشري والنظام البيئي إلى جانب رأس المال الإنتاجبي والمالي… مهلاً: المشكلة كما عبّر عنها يوم تسلّمه الوزارة: «فقدان الثقة بالمؤسسات الحكومية والخاصة هو عائق ثقيل أمام إخراج لبنان من مشاكله، وزيادة الثقة بالسياسة المالية تتطلب تغييراً أساسياً بأداء وصورة وفعالية وشفافية الإدارة العامة، وتفاعلها مع المواطنين». لعلّنا سنأخذ بنصيحة الخليل في أداء الإدارة العامة للمطالبة بإعادة هيكلتها بدءاً بقانون النقد والتسليف الذي ينظّم صلاحيات حاكم مصرف لبنان والمجلس المركزي. مصرف لبنان هو الإدارة العامة بالمفهوم الواسع، وليس مجرّد «مؤسسة عامة مستقلّة» وفق التوصيف القانوني البحت. يوسف الخليل هو من يجب عليه أن يقود كل هذا النقاش، بينما في الواقع يقف مستمعاً في مجلس الوزراء حين تناقش صيغة التعامل مع الأزمة في البيان الوزاري، ويقف منظّراً رأسمالياً لدى تسلّمه وزارة المالية. لعلّه لن يكون مجرّد «محاسبجي» كفؤاد السنيورة، بل سيكون أقرب إلى «شاهد الزور» على الهندسات المالية فحسب.

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةرفع الدعم عن المحروقات: البنزين بـ 180 ألفاً والمازوت بالدولار!
المقالة القادمةتراجع الدولار غير المبني على الأرقام لا يُعَوَّل عليه