تدهور الاقتصاد يعرقل العودة المدرسية في لبنان

وجهت جائحة كورونا والتدهور الاقتصادي ضربة مزدوجة للعودة المدرسية في لبنان حيث تعوز البلاد الإمكانيات لتوفير أساليب الوقاية كما تعوزها الإمكانيات لاعتماد مناهج تكنولوجية متطورة في التدريس في ظل نزيف اقتصاد مستمر زاد حدته انفجار مرفأ بيروت أكبر ميناء تجاري.

ألقت كورونا والأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في لبنان بظلال قاتمة على مستقبل العودة المدرسية في البلاد في ظل تواصل الوباء وما يعني ذلك من تحديات صحية تحتاج إمكانيات كبيرة في تأمين تعليم وفق بنية تكنولوجية متطورة إلى جانب هشاشة اجتماعية قوضت قدرة المواطنين على توفير الأدوات المدرسية.

وبين مطرقة كورونا وسندان أزمة اقتصادية طاحنة، تتداعى الصعوبات التي ينتظرها العام الدراسي الجديد في لبنان. فبالإضافة إلى أزمة كورونا التي تعيشها معظم دول العالم وما تستدعيه عودة المدارس من تدابير مشددة، يعيش لبنان أزمة اقتصادية خانقة أدّت إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع وبالتالي أسعار الكتب والمستلزمات المدرسية.

ويعاني لبنان منذ أشهر من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، وتهاوى سعر صرف الليرة إلى 9 آلاف مقابل الدولار الواحد في السوق غير الرسمية، مقابل 1507.5 ليرة لدى مصرف لبنان.

والأسبوع الماضي، أعلن وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال طارق مجذوب، بدء العام الدراسي الجديد بشكل تدريجي في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر الجاري.

وبعد اجتماع افتراضي جمعه مع ممثلي الجهات المانحة والمنظمات الدولية قال مجذوب في مؤتمر صحافي ببيروت “قررنا بدء العام الدراسي ابتداء من الأسبوع الأخير من سبتمبر تماشيا مع توصيات اللجنة الوطنية لمتابعة كورونا”.

وأضاف “سيتم تقييم الأوضاع الصحية بعد ثلاثة أسابيع من اليوم وبناء على هذا التقييم نتابع التعليم المدمج (مختلط بين مقاعد الدراسة والتعليم عن بعد)، وفي حال كانت النتائج أسوأ، فإننا سوف نعتمد التعليم عن بعد بصورة كاملة”.

ودخل لبنان الأسبوع الماضي مرحلة إغلاق تام لمدة أسبوعين، في إطار تدابير مواجهة كورونا، بعد الارتفاع الكبير بأعداد المصابين بالفايروس.

ونسبت الأناضول لغنوة الدقدوقي طبيبة الأمراض الجرثومية والمعدية قولها “يوجد تخبّط في تطبيق التعبئة العامة في البلاد”، إذ تستمر أرقام كورونا في الازدياد رغم الإغلاق التام وهناك عدم سيطرة على ازدياد الأعداد، لذلك فالطريقة المثالية للتعليم هذا العام هو عن بعد”.

ولكن المشكلة، بحسب الدقدوقي، تكمن في عدم توفّر الإمكانات اللوجستية للتعلّم عن بُعد في لبنان كالإنترنت والكهرباء وأجهزة الكومبيوتر عند جميع الطلّاب.

لذلك تدعو الدقدوقي وزارة التربية، إلى دعم الطلاب من خلال تأمين الإنترنت والكهرباء لهم بطريقة ما لتأمين سير العام الدراسي.

وفي هذا السياق، طالب وزير التربية في تصريح صحافي خلال تفقده المدارس المتضررة من انفجار مرفأ بيروت مؤخرا، الدول المانحة بالمساعدة على تأمين مستلزمات التعلم عن بعد لجميع الطلاب.

فيما أشارت المديرة العامة لمُنظَّمة الأُمَم المُتَّحِدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” أودري أزولاي، التي كانت ترافق مجذوب في الجولة نفسها، إلى عزم المنظمة دعم التعلم عن بعد.

وقالت “سنعمل على إيصال التجهيزات التي تساعد التلامذة على القيام بذلك، كما ستكون لنا مبادرة نحو التلامذة غير القادرين على متابعة التعليم من أجل تأمين حقهم بالدراسة”.

ومن قلب الميدان، ترى المعلّمة هدى خليفة موسى، منسقة اللغة العربية في إحدى المدارس الخاصة في بيروت، أن هناك صعوبة كبيرة في تطبيق التعليم المدمج.

ولفتت هدى إلى أن المدارس غير مؤهلة بأكملها لهذا النوع من التعليم سواء كانت رسمية أو خاصة.

وتفترض هدى أن عائلة من 3 أطفال، تحتاج إلى ثلاثة أجهزة كمبيوتر للتعلّم عن بعد، وهذا ما قد يكون خارج قدرة جميع العائلات اللبنانية على تأمينه خاصة في هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

وترى أن لانفجار مرفأ بيروت أثرا كبيرا على القطاع التعليمي، فالعديد من الطلاب وحتى الأساتذة فقدوا بيوتهم بسبب الانفجار، كما تعرّض عدد من المدارس إلى أضرار جسيمة.

وفي 4 أغسطس الماضي، قضت العاصمة اللبنانية ليلة دامية، جراء انفجار ضخم في مرفأ بيروت، خلف أكثر من 180 قتيلا وأكثر من 6 آلاف جريح، والمئات من المفقودين، وفقا لأرقام رسمية غير نهائية.

وقال وزير التربية، في تصريح صحافي في وقت سابق، إن 92 مدرسة رسمية و67 مدرسة خاصة تضررت من التفجير، كما تضررت خمسة مجمعات تابعة للتعليم المهني والتقني الرسمي تضم نحو 20 معهدا ومدرسة فنية.

وبالإضافة إلى مشكلة نوع التعليم الذي ينتظر لبنان، سيواجه الأهالي مشكلة ارتفاع أسعار الكتب والقرطاسية بسبب هبوط العملة مقابل الدولار.

في هذا الإطار يقول الوزير مجذوب إن هناك تنسيقا مع وزارة الصناعة من أجل تخفيض أسعار القرطاسية.

وينصح مجذوب في حديث تلفزيوني التجّار في لبنان بتخفيض الأسعار من أجل تحقيق البيع مع العلم أنّه لا سلطة للوزارة عليهم تجبرهم بأسعار معيّنة.

لكنّ وزارة التربية أصدرت في بداية شهر يوليو 2020، تعميما طلبت فيه من المدارس الخاصة ألا تغيّر طبعات كتبها لهذا العام وبالتالي يمكن للطلاب استخدام كتب مستعملة ذات ثمن أقل من الكتب الجديدة.

ويقول صاحب إحدى المكتبات الخاصة في بيروت، إنه لا لائحة نهائية بأسعار الكتب لهذا العام بسبب الهبوط الكبير للعملة مقابل الدولار.

ويضيف أن الكتب ستشهد ارتفاعا في أسعارها وخاصة تلك التي تُعتمد في المدارس الخاصة.

لكن صاحب هذه المكتبة (الذي فضل عدم الكشف عن اسمه)، لفت إلى أنّه سيصار إلى تنسيق الأمور بين دور النشر ووزارة الاقتصاد لضبط الأسعار بشكل ملحوظ.

من جهتها ترى أميرة أبومرعي (أم لثلاثة أطفال، 37 عاما)، أن أزمة ارتفاع أسعار الكتب قد يمنعها من تسجيل أولادها الثلاثة في المدارس الخاصة هذا العام، وتفضّل تسجيلهم في القطاع الرسمي لانخفاض تكلفة التسجيل وأسعار الكتب.

وتضيف أبومرعي “أنّه بسبب أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية يصعب على الأهالي الآن أخذ القرار المتعلّق بإرسال أولادهم إلى المدارس”.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالصين تحدد قواعد مصممة لحماية البيانات من الحكومات الأجنبية
المقالة القادمةمعهد الإحصاء الفرنسي يؤكد توقعا بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي 9 % في 2020