تنافس فرنسي – ألماني: على «سرقة» المرفأ

لم يعد واضحاً ما هو المطلب الأوروبي في ما خصّ لبنان. فمن جهة، ينفّذ الأوروبيون ضغطاً على السياسيين اللبنانيين مهددين بعقوبات على كل من يقف عائقاً أمام تأليف حكومة جديدة تقرّ الإصلاحات، لكنهم يتقاتلون في ما بينهم على الأرباح المحتمل جنيها من لبنان، قبل أن يُلملم أنقاضه. إذ يبدو أن جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته جان إيف لو دريان على مرفأ بيروت عقب الانفجار الذي وقع فيه، لم تكن لتفقد الأضرار حصراً، بل لإجراء مسح سريع وبصري لتحديد كيفية الاستفادة من هذا المرفأ أو بالأحرى السيطرة عليه. من هذا المنطلق، أعربت مجموعة CMA CGM التي تعنى بشحن الحاويات، بعد مرور شهر على انفجار 4 آب 2020، عن نيّتها إعادة بناء مرفأ بيروت. بطبيعة الحال، العرض لم يكن على شكل هبة أو مساعدة غير مشروطة. فالمجموعة الفرنسية التي يسوّق لها ماكرون، تطمح إلى خصخصة المرفأ أو أن تكون شريكاً للدولة اللبنانية في إدارته وتشغيله.

وفي إطار التنافس الألماني الفرنسي، قام وفد من وزارة الأشغال الفرنسية بزيارة محافظ بيروت مروان عبود، أمس، للتباحث في وضع المرفأ. تباهى الفرنسيون، بأنهم خلافاً للألمان، لا يطمحون إلى تحضير مخطط مُعيّن وعرضه على الدولة اللبنانية، بل سيعمدون الى تنظيم مؤتمر في بيروت في أيلول المقبل، يدعون إليه نقابة المهندسين والجمعيات المختصة والقطاع الأهلي للبحث عن التصور الأنسب لترميم المرفأ وإدارته، وحتى يكون الطرح محلياً وغير «مفروض» من الخارج! قبيل ذلك، ومنذ ثلاثة أيام تحديداً، أعلن المدير العام لمجموعة CMA CGM في لبنان، جو دقاق، أن الخطة التي «عُرضت على السلطات اللبنانية للمرة الأولى في أيلول تتضمن إعادة بناء الأحواض والمخازن المدمرة، مع توسعة المرفأ وتحويله إلى النظام الرقمي بتكلفة إجمالية تراوح بين 400 و600 مليون دولار وفي غضون ثلاث سنوات». ولفت إلى أن الحكومة الفرنسية ليست جزءاً من هذه الخطة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن شركات فرنسية ومؤسسات مالية أبدت اهتماماً بها، وأن الدولة اللبنانية سيكون لها دور في المشروع من خلال شراكة القطاعين الخاص والعام. وأشار الى أن ذلك سيتم في غضون 3 سنوات، فيما سبق للمجموعة نفسها أن أبلغت الفريق المكلف بشؤون النقل في القصر الجمهوري، على ما تقول المصادر، أن إدارتها للمرفأ ستكون ضمن مدة تراوح ما بين 25 و30 عاماً.

وفي معرض تعليقه على العرض الألماني، أكد المدير العام للمجموعة الفرنسية أنها تركّز أكثر على «التطوير العقاري الطويل المدى، لكن شركته مستعدة للإسهام بجزء من المرفأ في هذا المشروع إذا طلب منها ذلك». كلام دقاق جاء بعد يوم من المؤتمر الذي عقده كونسورتيوم الشركات الألمانية التي اقترحت مشروعاً يقضي باستملاك كامل مساحة المرفأ التي تضررت بالانفجار، وتحويلها إلى منطقة سكنية وسياحية خاصة، في مقابل توسيع محطة الحاويات شرقاً باتجاه نهر بيروت وبرج حمود.

عرّاب المشروع الألماني والمسهّل الرئيسي لحركة الشركات الألمانية في لبنان، هو السفير اللبناني في برلين مصطفى أديب. الأخير، بعد ساعات على تكليفه تأليف الحكومة، صيف العام الماضي، زار مرفأ بيروت لاستطلاع وضعه، ورفع بعد مدة تقريراً الى الدولة الألمانية بشأن حالة الميناء. وقد بدأ مذذاك الإعداد لمشروع تطوير المرفأ والمناطق المحيطة به. لاحقاً، قام وفد ألماني بجولة استطلاعية في المرفأ ومحيطه. وتم التركيز على المساحات التي تصنف كأملاك عمومية يمكن الاستفادة منها خدمة للمشروع وبغرض «تخفيف الحاويات عن المرفأ ونقلها الى أماكن أخرى كنهر بيروت مثلاً، لتحرير الأراضي التي تشغلها. وهكذا يصبح ممكناً استخدام الفسحة لبناء المدينة السياحية». وما يثير الاستغراب أن الشركات الألمانية تحدثت عن «معايير أوروبية» لمشروعها، فيما وضعت في مخططها ناطحتَي سحاب ومجموعة من الشاليهات الخاصة وبرك السباحة التي يصعب العثور على مثيل لها في مساحات عامة في أي دولة أوروبية.

يجري كل ذلك، في ظل غياب أي استراتيجية وطنية للمرافئ، وهي مهمة منوطة بوزارة الأشغال اللبنانية، إذ قبل خصخصة المرفأ أو بيعه، يفترض أن يكون ثمة رؤية لبنانية واضحة حول وظيفة وإدارة ميناء بيروت وباقي الموانئ. فتحت حجة الدمار، ثمة من يهرع لوضع لبنان تحت أمر واقع عبر ربط إعادة إعمار المرفأ بخصخصته، وفرض الشروط المجحفة بحق لبنان، بذريعة أن ما سيُباع هو أنقاض لا أكثر، فيما في الواقع، الجزء الأكبر من أعمال الاستيراد والتصدير مستمرّة عبر محطة الحاويات التي لم يلحق بها ضرر يُذكر جراء الانفجار.

مصدرجريدة الأخبار - رلى ابراهيم
المادة السابقةتوقعات بانكماش اقتصاد ألمانيا 1.8% في الربع الأول من 2021
المقالة القادمةالبقاع الشمالي «تحت الحصار»: تهريب 60 % من حصة الهرمل من الوقود