رغم عجزها المالي المقدّر بـ40 مليار دولار، لم تتخذ الحكومة قرارًا بطلب برنامج دعم مالي من قِبل صندوق النقد الدولي، بل انّها تكتفي بالاستشارة التقنية، على أمل انّ برنامج الإصلاح المحلي الذي تعدّه، سيؤمّن لها دعم الدول المانحة.
إستمع رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان والنائب ياسين جابر في المجلس النيابي امس، الى اعضاء وفد صندوق النقد الدولي والى ما توصلوا اليه حتى اليوم، نتيجة لقاءاتهم مع المسؤولين اللبنانيين الذين التقوهم. وكانت مناسبة لعرض مشاريع الإصلاحات والتوصيات التي اصدرتها لجنة المال والموازنة منذ العام 2010 في معرض دراستها للموازنات السابقة والحالية، ان على صعيد تخفيض النفقات وضبط العجز ومكافحة الهدر والفساد في الإدارة اللبنانية والمؤسسات العامة، او الإصلاحات البنيوية التي ضمّنتها موازنة 2020، كما إعادة تكوين الحسابات المالية وتدقيقها.
وفي هذا الاطار، قال النائب ياسين جابر لـ«الجمهورية»: «انّ علاقة لجنة المال مع صندوق النقد الدولي بدأت في العام 2016 وكانت اللقاءات تتمّ بشكل سنوي للبحث في شؤون لبنان». مشيرًا الى انّه «منذ العام 2017 وخلال مؤتمر للصندوق الدولي في الولايات المتحدة، حذّر مسؤول الشرق الأوسط في البنك الدولي إيريك لوبون «من أنّ سفينة لبنان فيها كثير من الثقوب التي تتسرّب منها المياه وهي معرّضة للغرق والفجوة التي ستشكّل الضربة القاضية هي فجوة خدمة الدين المتصاعدة والتي ستخرج قريباً عن السيطرة إذا لم يجد لبنان أجوبة سريعة لخفض العجز في موازنته».
وقال جابر، «انّ البنك الدولي حذّرنا منذ العام 2017 من الضربة القاضية، ومع ذلك لم تقم الحكومات بأي اصلاحات جدّية في هذا الاطار». وأوضح، انّه بالنسبة لصندوق النقد الدولي، فانّ زيارة الوفد لا تأتي في اطار صياغة برنامج إنقاذ للبنان أو خطة سيضطر لبنان للسير بها، بل انّ نصيحة صندوق النقد الدولي للبنان تتمثل بإعداد خطة محلية تناسب أوضاعه وتحظى بصدقية المجتمع الدولي.
وشدّد جابر على انّ لبنان، بالإضافة الى الأزمات العديدة التي يعاني منها، فانّ الأزمة الاكبر والتي تشكّل العائق الاساس، هي أزمة الصدقية، «وبالتالي فانّ أي خطة سيعدّها لبنان يجب ان تبعث بمؤشرات عملانية من خلال تنفيذ خطوات جديّة، مثل تعيين الهيئات الناظمة بطريقة شفافة ومستقلّة، تعيين مجلس ادارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان، تطبيق قانون الشراكة بين القطاع الخاص والعام وغيرها من الإجراءات البسيطة التي تؤشر الى جدّية الحكومة ونيّتها في الشروع بالإصلاح».
وقال: «الحكومة الحالية امام امتحان كبير، يتطلّب منها إحداث خرق على صعيد تنفيذ الإصلاحات المرجوّة، والتي وعد لبنان بها المجتمع الدولي مرارًا وتقاعس عن تنفيذها. عندما تُظهر الحكومة جدّيتها في تطبيق الاصلاحات، ستحصل على الدعم المالي من دول عدّة أبدت استعدادها للدعم مقابل الاصلاحات فقط».
وأضاف: «انّ برنامجاً للدعم المالي من قِبل صندوق النقد الدولي ليس أمرًا مطروحًا اليوم، ولا يوجد قرار في هذا الاطار، والدليل انّ الحكومة لم تطلب دعماً مالياً من الصندوق بل فقط استشارة تقنية».
كوبيتش
في سياق متصل، غرّد المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش قائلاً، «انّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة زوّد رسمياً الحكومة بالمعلومات الحقيقية المتعلّقة بالوضع المالي في لبنان، بما في ذلك وضع السيولة الحقيقي». واعتبر كوبيتش انّ الشفافية الكاملة، تجاه المجتمع المدني ايضًا، ضرورية لشرح أسباب التدابير المتوقعة، بعد زيارة صندوق النقد الدولي.
في هذا السياق، اعتبر جابر، ان لا جدوى من معرفة حجم السيولة المتبقي لدى مصرف لبنان، «فالمعلوم انّ عجز البنك المركزي يتراوح ما بين 40 الى 50 مليار دولار، وبالتالي يجب تغطيته عبر توزيع الخسائر بين سندات الخزينة واليوروبوند والمصارف».
كما قال المنسق الخاص للامم المتحدة، انّ نجاح الإجراءات لإنقاذ لبنان من الانهيار يبدأ بدعم القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي، «هناك ستظهر مصالحهم الحقيقية، وليس في التظاهرات الشعبية أمام البنوك». كما حث كوبيتش صندوق النقد الدولي على تقديم المشورة والمساعدة للحكومة «عندما تستعد لسلسلة من الإجراءات والإصلاحات القاسية اللازمة للبدء في نقل لبنان من الأزمة الوجودية إلى التنمية المستدامة، ولكن بطريقة مسؤولة اجتماعيًا».