خطة اديب الاقتصادية تتناقض مع خطة دياب المالية

يبدو ان «الجميع» بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس مصطفى اديب الذي تعول عليه الاوساط الاقتصادية في البدء بالاصلاحات الموعودة وخصوصاً الاصلاحات في الكهرباء وخصوصاً صندوق النقد الدولي الذي أوقف الاجتماعات التي كان يعقدها بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب ممنياً النفس اولاً في الاسراع في بدء المفاوضات معه وثانياً ان تكون هذه المفاوضات ضمن فريق لبناني واحد ورأي موحد وثالثاً ان تكون الارقام والخسائر متوافقاً عليها.

وفي الوقت الذي نعى اكثرمن طرف خصوصاً الطرف المصرفي خطة التعافي المالي التي قدمتها حكومة دياب الى مفاوضات صندوق النقد الدولي والتي لم تعد صالحة للمفاوضات مع الصندوق رغم ان ارقامها حظيت بموافقته الا ان بعض المصارف تعتبر ان الصندوق ملزم بالتقيد بهذه الارقام التي اعطتها الحكومة له رغم معرفته بأوضاع البلد التي بات يحفظها عن ظهر قلب، فإن المصادر المصرفية تركز على ان الخطة المعدلة او الخطة الجديدة يجب ان تكون الخسائر موزعة على اكثر من طرف خصوصاً السلطات اللبنانية التي استدانت من المصارف وانفقت ولم ترد ديونها، اضافة الى كبار المودعين والبنك المركزي والمصارف التي تعتبر ان ذنبها الوحيد انها آمنت بالدولة اللبنانية وعدم اتخاذها قرار بعدم سداد ديونها، وهذا يحدث للمرة الاولى في تاريخ لبنان مع العلم ان الجميع كان يؤكد ان السلطات اللبنانية لن تتخلف عن السداد وستفي بتعهداتها، ومن اجل ذلك قد تعيد الحكومة الجديدة حساباتها التي قد تتناقض مع حكومة الرئيس دياب.

ولعل اللقاءات والزيارات التي قامت بها جمعية المصارف مؤخرا اعطت لها بعض الدعم بحيث لا تتحمل وحدها الخسائر ولا تتعرض مصارفها للقضم رغم انها تعتقد ان التعميم الذي اصدره مصرف لبنان ويتناول زيادة رأسمال المصرف بنسبة 20 في المئة، معطياً مهلة حتى نهاية شباط المقبل لتحقيق هذه الزيادة، ولكن مع ضبابية المشهد السياسي حتى الآن فان اكثرية المصارف ما تزال تتريث في اتخاذ قرار زيادة الرأسمال متخوفة من اعتماد خطة حكومة دياب التي تزيد رأسمال المصارف اضافة الى ان اي مستثمر يمكنه ان يتجرأ ويزيد رأسماله في هذه الظروف التي لا يعرف امكان ليس الربح بل استرداد امواله، وبالتالي من الطبيعي ان يتشدد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في هذا الموضوع لان زيادة الرأسمال هو الطريق الاول نحو اعادة رسملة القطاع المصرفي واعادة الثقة اليه مؤكداً في الوقت نفسه ان لا «هيركات» على ودائع المودعين وانها في حماية المصرف المركزي.

وفي ضوء ذلك فان حاكم مصرف لبنان اتخذ موقفاً متقدماً باعلانه انه سيقف الى جانب الحكومة الجديدة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي تعرف الحكومة والسياسيون والمجتمع المدني «وصفته» السحرية في اعادة الاقتصاد الوطني الى الدوران من جديد، وهي الاصلاحات ثم الاصلاحات ثم الاصلاحات ولا شيء بالمفاوضات غيرها.

واذا كانت حكومة الرئيس اديب قد انطلقت في الورقة الفرنسية التي اعتبرت كبيان وزاري لهذه الحكومة فان اولى مبادئها تطبيق الاصلاحات بصورة سريعة، وفي ضوء ذلك يعتقد بعض الخبراء ان خطة اديب التي كانت على اساس الورقة الفرنسية والتي تختلف مع خطة دياب لن تكون المفاوضات بينها وبين صندوق النقد الدولي طويلة اذ بات المكتوب يقرأ من عنوانه: لا بديل عن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولا بديل عن تطبيق الاصلاحات لاعادة العافية الى الاقتصاد، ولا بديل عن نجاح المفاوضات مع الصندوق التي تمهّد لامداد لبنان ببعض «الترياق» المالي وان كان ليس كبيرا ولكنه مقدمة لترياق كبير اوروبي وغير اوروبي، خصوصا ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يحضّر لمؤتمر جديد لدعم لبنان في تشرين الاول المقبل ومؤتمر ثان قبل نهاية العام الحالي اللهم اذا ابصرت الحكومة النور وسار كل شيء على خطى متساوية نحو اعادة النهوض الاقتصادي والا فالبديل مزيد من الانهيار ومزيد من الفقر والفوضى ومزيد من المصاعب التي لن يعرف لبنان كيفية الخروج منها.

لعل الاستقالات التي قدمها المستشارون الذين كانوا يفاوضون صندوق النقد، او الذين اعدوا الخطة قد استقالوا قبل استقالة الحكومة ولم يبق سوى المستشار الرئاسي شربل قرداحي وهذا يعني استقالة الخطة برمتها وبالتالي فان المفاوضات قد تعود من جديد الى بدايتها مع العلم ان الاتفاق قد تم حول موضوع اصلاح الكهرباء.

على اية حال، فصندوق النقد الدولي يستعجل تشكيل الحكومة مثله مثل بقية اللبنانيين باستثناء المعنيين السياسيين الذين يريدون اخذ وقتهم في توزيع الحصص وهم لا يدركون او يدركون ان ترف الوقت لم يعد لمصلحة اللبنانيين وليس لمصلحتهم ابداً خصوصا ان الانتقادات قد كثرت لهؤلاء السياسيين الذين لا ينظرون الى مصلحة ابناء الوطن بل همهم توزيع الحصص فيما بينهم بينما هناك اناس ينامون دون لقمة خبز.

وفي هذا المجال لا بد من التذكير ان المفاوض اللبناني ينتظر تشكيل الحكومة للاسراع في انجاز الملف الاقتصادي والمالي، ومحاربة السوق السوداء التي باتت الهاجس الاكبر لهم في رؤية مدخراتهم ورواتبهم وجنى عمرهم تتبخر في ظل ارتفاع وتيرة سعر الدولار في هذه السوق.

مصدرجوزف فرح -الديار
المادة السابقةتعبئة القاعدة العمالية والنقابية لمواجهة المخاطر
المقالة القادمةسعرُ دولار السوق السوداء اليوم السبت