خطّة ميقاتي للإنقاذ: «تسوية» تريدها المصارف

يعترف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمام من يلتقيه بأنّ أزمة القطاع المصرفي لا تُحلّ إلا بإعادة هيكلته. يُدرك حجم الخسائر ووجود استحالة لـ«إصلاحها»، لكنّه فضّل إيجاد تسوية مع المصارف و«مسايرتها» في البيان الوزاري عبر اعتماد عبارة «وضع خطة لإصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته حيث يلزم». فحكومة ميقاتي تُمثّل انتصار «حزب المصرف» ورَفْضَ مالكي البنوك والمساهمين بها وكبار المودعين ومن يدور في فلكهم تحمّل الخسائر.

لا يُظهر رئيس الحكومة في جلساته «اندفاعةً» في الدفاع عن المصارف. وفي ختام جلسة الثقة النيابية أمس، كان لافتاً استغرابه أن «يكون البعض فهم من بياننا وكأننا نميل الى المصارف. ليته بقيت هناك مصارف في لبنان لنساعدها. هل تعلمون واقع القطاع المصرفي وأنه لم تعد هناك مصارف مع العلم أن لا نهضة اقتصادية من دون مصارف؟ عندما نقول تصحيح أو إصلاح أو إعادة هيكلة، فمعنى ذلك إعادة إحياء القطاع المصرفي على الطريق الصحيح، لا وفق النمط الذي كان سائداً، وهذا الملف من أولوياتنا».

ما يحلو لميقاتي تسميته «تدوير زوايا» لإيجاد المخارج يُعدّ عملياً تسليماً كلّياً بشروط المصارف وتطبيقاً لخطّة رياض سلامة، ابتدأه بالاتفاق مع الأخير واستكمله بتعيينات فريق عمل رئيس الحكومة. يقول ميقاتي إنّه بحاجةٍ إلى «سياسي» على رأس الفريق الاقتصادي وليس إلى شخص «تقني»، فقاده هذا المعيار إلى أحد أعضاء كتلته النيابية، نقولا نحّاس. الخلل الأساسي في «سياسة» نحّاس الاقتصادية في ما خصّ الأزمة أنّه بكلّ بساطة أحد محامي الدفاع عن القطاع المصرفي. يرفض الاعتراف بخسائر القطاع المالي المُحدّدة في خطة «التعافي المالي» لحكومة حسّان دياب، ويرفض بالتالي إعادة هيكلة المصارف، ويُعارض أي «قصّ شعر» (هيركات) على الودائع الكبيرة، في مقابل اعتماد منطق ترحيل الخسائر واستخدام الأصول العامة لإنقاذ المصارف وتنظيف ميزانية مصرف لبنان. سياسة نحّاس في لجنة المال والموازنة ــــ مع بقية زملائه ــــ تعمّدت خلق جدلٍ حول أرقام الخسائر وكيفية معالجتها، بهدف تطيير «خطّة التعافي»، وتهشيل صندوق النقد… الذي يُعلن ميقاتي أنّ أحد أهدافه العاجلة إعادة إطلاق المفاوضات معه.

يُراهن ميقاتي وسلامة وبقية شركائهما على انتزاع تنازلات من صندوق النقد، وتحديداً ما يتعلّق بإعادة هيكلة المصارف ومصرف لبنان والتدقيق الجنائي في حساباته، وطيّ صفحة «خطة التعافي» التي أعلن صندوق النقد موافقته على مقاربتها (بحسب ما ورد في مسوّدة القرار الأخير الصادر عن البرلمان الأوروبي بشأن لبنان، نهاية الأسبوع الفائت) عبر تقديم خطّة جديدة فيها بعض «الإصلاحات» لإرضاء «الصندوق» بها، من دون المسّ بما يضرب بنية المنظومة الحالية ومصالحها.

ما هي الاستراتيجية البديلة التي تعمل عليها حكومة ميقاتي؟ تنفيذ خطّة رياض سلامة. بين أيار وحزيران، ناقش الحاكم مع رئيس جمعية المصارف سليم صفير، ومسؤولين اقتصاديين وماليين، تحويل ثلث الودائع بالدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية، بعدما «ظَهر» له أنّها عبارة عن أموال مُحوّلة من الليرة إلى الدولار داخل القطاع المصرفي، وجزء كبير منها تمّ بعد انتفاضة 17 تشرين، أي ليست «دولارات حقيقية». العملية تُسمّى «تتبّع» (tracing) الودائع، بهدف تحديد أصلها، لجهة العملة التي أودعت بها. وبناءً على ذلك، تقضي الخطة بإعادة الودائع إلى أصلها (الودائع التي حُوِّلَت من الليرة إلى الدولار، ستُعاد إلى الليرة، وفق سعر صرف خاص ــــ

تحويل الودائع إلى الليرة قبل سحبها من النظام المصرفي مُستمر، ويستهدف بشكل أساسي أصحاب الحسابات الصغيرة والمتوسطة. أما كبار المودعين، فالخطة تقتضي إعطاءهم أسهماً بضمانة أملاك الدولة لردّ ودائعهم. المصارف والبنك المركزي يستغلون فرصة تعيين حكومة موالية لهم، لإنقاذ أنفسهم من الشرك، هرباً من أيّ محاولة لإعادة هيكلة المصارف وإعلان إفلاس المفلس منها، مع ما يعنيه ذلك من مسؤولية قانونية ــــ مالية على مالكيها.

مصدرجريدة الأخبار - ليا القزي
المادة السابقةفياض: تم تفريغ باخرتي بنزين وحمولتهما ستتوزع على المحطات خلال أيام
المقالة القادمةلبنان يُفرّط بـ”ثروته” النفطية جنوباً بحجّة حماية السيادة الوطنية “المنخورة” شمالاً