فتح مرسوم رسوم الأملاك البحرية الصادر مؤخراً عن الحكومة الجدال على مصراعيْه، لا سيما بعد أن اتّخذ منحى طائفياً واعتمد البعض رفع السقف ليشد هذا العصب.
يتعلق المرسوم الصادر عن مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة بتعديل أسس إحتساب سعر المتر المربع لتحديد الرسم السنوي المترتب على الإشغال المؤقت للأملاك العمومية البحرية، ويقضي بأن يتم تعديل سعر المتر المربع عبر تحويله إلى الدولار على أساس سعر صرف 1507 ليرات، ثم ضربه بمتوسط سعر صرف السوق لليوم السابق لتاريخ إصدار رخصة الإشغال المؤقت للأملاك العمومية البحرية، لتاريخ تجديدها.
وفقاً للمعطيات الرسمية العائدة إلى وزارة الاشغال، وغير الرسمية المبنية على إحصاءات «الدولية للمعلومات» وباحثين، فإن التعدّيات على الأملاك البحرية تبلغ مساحتها 5 ملايين م²، وقرابة 2.4 مليون م² منها مرخص ويسدد إيجارات ورسوم متدنية جداً.
الإيجار سنوي والعمل موسمي
من ناحيته يستنكر رئيس إتحاد «النقابات السياحية» ورئيس «المجلس الوطني للسياحة» بيار الأشقر «القرار»، ويقول لـ»نداء الوطن»: «إنه في ظل الظروف التي يعانيها القطاع، يأتون اليوم ليلزموا المؤسسات السياحية البحرية الدفع بالفريش دولار، رغم أنها لا تعمل سوى 3 أو 4 اشهر على أبعد تقدير».
ويلفت الى أنهم «عندما يستوفون الإيجار، فإن ذلك يكون على أساس سنوي، بينما المؤسسات تستعمل المأجور موسمياً لأنها موجودة على البحر، ومن المعروف أن عملها يقتصر على 3 أو 4 أشهر».
ويوضح أن «الفريش الذي يودون جبايته هو عبء كبير على المؤسسات البحرية، فلا توجد كهرباء أو مياه والظروف السياسية لا تساعد القطاع اليوم ولا تسمح بانتعاشه».
قسمان: مرخص وغير مرخص
ويعتبر الباحث الإحصائي عباس طفيلي أن «موضوع الأملاك البحرية حساس جداً، ويجب تناوله بدقة خصوصاً بعدما إتخذ الحديث فيه منحًى طائفياً». وفي حديث لصحيفة «نداء الوطن»، يشير إلى أن «التعديات إضافة إلى الأملاك البحرية المسروقة تمتد على طول الشاطئ اللبناني من الشمال إلى الجنوب مقسمة إلى إثنين: قسم منها مرخص وآخر غير مرخص».
ويوضح أنّ «مساحة القسم المرخص هي بحدود 2.3 مليون م² من أصل 5 ملايين م²، وفقاً لآخر إحصاء لوزارة الأشغال. أما القسم غير المرخص فيصل إلى 2.7 مليون، وهذه المساحة موجودة على كامل الشاطئ اللبناني، علماً بأن أكثر من منطقة فيها تراخيص وصادر بها مراسيم هي جبل لبنان الشمالي أي من المتن وصولاً إلى جبيل».
كبار المعتدين
ويتابع،: «نحن لسنا بدولة طبيعية، فليس من السهل المطالبة بإزالة التعديات. فإذا كان هناك إشغال يعود لرئيس مجلس النواب نبيه بري في الجنوب من يستطيع هدمه؟ لا أحد! بالرغم من أن هذا إشغال للأملاك البحرية بطريقة غير قانونية، والأمثلة عديدة مثل قصر رياض سلامة وقصر شقيقه في منطقة طبرجا فضلاً عن شخصيات أخرى قامت بالبناء والتعدي على أملاك الدولة منذ ما قبل الطائف».
ويضيف: «هنا علينا التمييز بين نقطتين: هناك أشخاص لديهم أراض بجانب البحر وبما أن الشاطئ ممنوع أن يتملكه أحد لأنه ملك للدولة، بنوا بعض الأملاك وسيطروا على الشاطئ دون محاسبة بحجة وجود عقار لهم بجانب الشاطئ. وأشخاص آخرون ليس لديهم أراض لكنهم قاموا أيضا بالبناء والتعدي، وكل ما يحصل هو تحت السقف السياسي كالتعديات التي كانت تحصل على مجرى نهر الليطاني».
شركات نفط وترابة وسياحة
ويردف قائلاً: «هناك تعديات مرخصة ولكن إيجارها لا يزال على دولار 1500 ليرة لبنانية، وهنا نرفع الصوت للإضاءة على تراخيص منحت للشركات المستوردة للنفط وشركة الترابة والشركة اللبنانية للسياحة والسفر وأصحاب الفنادق الكبيرة، فهؤلاء من أهم المتعدين على الأملاك البحرية بطريقة مقوننة»، ويكشف أنهم «أخذوا تراخيصهم عبر مراسيم».
ويتحدث طفيلي عن «الغبن اللاحق جراء السماح لهؤلاء بالقبض بالدولار ودفع رسوم الدولة على أساس دولار 1500 وبالليرة اللبنانية، ويدعو إلى «إعادة درس كل هذه التعديات حتى المقوننة منها»، متحسراً على «دولة يفترض بها إزالة التعديات جميعها فوراً كما حصل في الليطاني ونجح».
قرار حمية هو الحد الأدنى
ويعتبر أنّ «قرار وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال علي حمية بطرح الأمر في مجلس الوزراء هو الحد الأدنى الذي يجب أن ينفذ وهو أقل شيء يجب القيام به، لأن حصيلة الإيجارات جميعها 15 مليار ليرة وكانت توازي 10 ملايين دولار سابقاً وأصبحت تساوي ما يقارب الـ100 ألف دولار اليوم».
لا مكان للتنفس
ويضيء طفيلي على «موضوع فرض الدفع بالدولارعلى اللبنانيين في المؤسسات السياحية»، ويسأل «هل من المقبول والمنطق بأن يتوجب على المواطنين الذين يودون النزول إلى البحر الدفع بالدولار وهو شاطئ للجميع، مقابل قيام هذه المؤسسات بالدفع للدولة بالليرة اللبنانية»، ويوضح للمثال فقط أن «سكان جبل لبنان الشمالي لم يعد لهم مكان يتنفسون به للنزول الى البحر، فأصبح رسم الدخول يصل أحيانا إلى 40 أو 50 دولاراً أو حتى 60 دولاراً، فهل هذا معقول؟».
جبران باسيل
ويتوجه طفيلي إلى رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي أعرب عن «إعتراضه على قيمة الزيادة من جهة، وعلى الزيادة نفسها من جهة أخرى، بإعتبار أن القرار «يطال منطقة معيّنة دون سواها»! ويسأله: «هل أنت تريد أن تتكلم من باب الدفاع عن أهالي المنطقة على إعتبار أنك تمثلهم؟ فعلى الأقل إرحمهم وإسمح لهم بالنزول الى البحر مجاناً»…
ويشرح الموضوع من جانب سياسي، فيلفت إلى أن «أصحاب الشركات الكبيرة والفنادق الكبيرة بجبل لبنان الشمالي هم بأغلبيتهم محسوبون على التيار الوطني الحر»، ويقول: «أوسكار يمين بعز الأزمة وعام 2019 هو الوحيد الذي شيد خزانات جديدة بمنطقة الدورة، وأصبح هو الرقم واحد».
ويستدرك، حتى لا يفهم كلامه تصويباً على «التيار الوطني»، إنه «عندما يأتي سليمان فرنجية فإنّ «البساتنة» سيقولون كش ملك لأوسكار يمين فهذا هو واقع البلد».
ويسأل: «أيهما أفضل اليوم مصلحة 700 ألف نسمة يسمح لهم بالدخول إلى البحر والتنفس أو مصلحة جبران باسيل وعدد من الشركات أو رجال الاعمال».
ويقارن بين عائدات الأملاك البحرية على السعر القديم وبين عائدات البسطات الموجودة بأي سوق شعبي، فبالتأكيد «ستكون اقل».
400 مليون وليس 40 فقط
ويشدد على أن «قرار حمية بمحله ولكنه ليس كافياً»، ويشير الى أنّ «كل المعالجات ترقيعية من أجل تأمين إيرادات للدولة كيفما كان، ويلفت إلى أننا «نحتاج إلى الأموال وهناك خيارات»، ويطالب «بعقود إيجار مع الأملاك والمعتدين على الأملاك البحرية على سعر دولار اليوم إضافة الى ضريبة إشغال كما يحصل بجميع دول العالم زائد ضريبة على الأرباح وهذا ما يؤمن إيرادات للدولة».
ويقول طفيلي: «هذه خيارات تؤمن إيرادات للدولة حتى رقم الوزير حمية اليوم أي الـ 40 مليون دولار ليس كافياً لأنه بإستطاعتنا تحصيل 400 مليون دولار».
قد تلغى الزيادة
ويرى طفيلي أنّ «حقوق 900 ألف شخص هم سكان لبنان الشمالي أفضل وأهم من مصالح وحقوق 30 أو 40 رجل أعمال»، كما يرى أنّ «رفع الصوت من قبل جبران باسيل هو لإستثماره بملف رئاسة الجمهورية».
ويختم طفيلي حديثه، بأنّه «إذا استمرت طريقة المعالجة على حالها، فسيرضخون ويتم إلغاء المشروع، ويكفي أن يتلو باسيل خطاباً من على درج بكركي للمزايدة بموضوع الأملاك البحرية وإدخال حقوق المسيحيين لإلغاء قرار حمية أو إرجاء تطبيقه، وآخر ما كنت أتوقعه أنْ يأخذ موضوع الأملاك البحرية منحى طائفياً، لأن الجميع متورط وليس الموضوع طائفياً».
العبرة بالتنفيذ
بدوره الباحث في مجال النقل علي الزين يعتبر أنّ «الدولة عندما تود مواجهة طرف متعدّ فلا يجب عليها أن تهادن، فالمهادنة بهذا الموضوع ستفتح الطريق أمام مهادنة السارق وتاجر المخدرات». ويعتبر الزين أنّ «قرار حمية هو بالتأكيد من حيث الشكل أفضل من لا شيء وأفضل من القبض على اساس 1500 ولكن العبرة تبقى في التنفيذ، فالوزير حمية أصدر من قَبل قرارات كثيرة ولكن دون نتيجة».
ويضيف: «هذا القرار أخذ منحىً طائفياً، وهناك طرف اعتبر نفسه معنياً لأنه يعتقد أن المنتجعات السياحية لها طابع طائفي معين وهناك مصالح مشتركة بين هذا الطرف السياسي وأصحاب المنتجعات. لكن التعديات تمتد من الناقورة إلى العبدة في الشمال، من هنا ليس هناك لون طائفي بل الفرق أن المنتجعات في شمال بيروت أكثر من جنوبها».
خطوة حمية غير جدية
ويشير الزين خلال حديث مع «نداء الوطن»، إلى عراقيل أمام قرار الوزير حمية، وأهمها يتمثل «بالتنفيذ حيث أن جهات سياسية وطائفية هي من تضمن المخالفين أو من لديهم أملاك على البحر، إضافة الى رجال أعمال كبار ووزراء ونواب… فهؤلاء لا تستطيع الدولة مواجهتهم، فمن الجيد إصدار قرار لكن الأفضل القول كيف سينفذ هذا القرار»، ويرى أن «القرار ليس واضحاً بل أن التعرفة ستتغير على أساس أن كل عام المنتجع يحصل على رخصة»، ويسأل: «لماذا علينا أن نُساير التعديات لماذا لا نزيلها من الأساس»؟. ويقول: «كي تنفذ الدولة قراراً ما يجب أن يكون لديها «ركب»، ولا يرى أنّ «هذه الخطوة جدية صراحة».