زيادة تعرفة الكهرباء تمويلٌ للهدر من أموال الناس

A picture taken on November 4, 2019, shows Electricity Of Lebanon building in the Lebanese capital Beirut. An unprecedented protest movement has gripped Lebanon since October 17, demanding an overhaul of a political class that has remained largely unchanged since the end of the 1975-1990 civil war. / AFP / ANWAR AMRO

أرسل وزير الطاقة والمياه إلى مؤسسة كهرباء لبنان اقتراحاً علّل سببه خفض عجزها المالي، من خلال زيادة تعرفة الكهرباء إلى ٢٠ سنتاً لكل كيلوواط وربطها بأسعار النفط العالمية وتقلبات سعر صرف الدولار، إضافةً الى رفع الرسم الثابت من ٩٨٠٠ ليرة الى حدود ٢٨٨ ألف ليرة. اقتراح الوزير يعني أنّ فاتورة الكهرباء ستتضاعف تقريباً عشرين مرّة عمّا هي عليه اليوم، فهل أخذ الوزير في الاعتبار قدرة المواطنين على دفع هذه الزيادة القاسية والمُجحفة بحقّهم؟ وهل يعقل أن يُطلَب الى اللبنانيّين تحمّل الكلفة الباهظة لتقاعس الدّولة عن القيام بواجباتها في ظل الفساد والهدر المستشريان في قطاع الكهرباء؟

على الرّغم من أهميّة وضرورة خفض عجز مؤسسة كهرباء لبنان، إلّا أنّه على الحكومة اتخاذ خطوات صارمة لمعالجة أسباب هذا العجز قبل أن تثقل كاهل اللبنانيّين بالمزيد من الفواتير في مقابل خدمة رديئة وشبه معدومة يعتريها مخاوف دائمة من انهيار الشبكة الكهربائيّة وحدوث العتمة الشاملة.

وقبل إقرار زيادة فاتورة الكهرباء، يجب معالجة عجز موازنة المؤسّسة بشقّيه، بدءاً بالمصاريف وارتفاع كلفة إنتاج الكهرباء، البالغة ٢٤ سنتاً لكلّ كيلوواط، بسبب الهدر والفساد والصفقات وسوء الإدارة في القطاع، لا سيّما كلفة التوليد والتوزيع التي تبلغ ١٤ سنتاً لكلّ كيلوواط، وتلزيم وتشغيل المعامل من خارج رقابة دائرة المناقصات، وتهريب المشتقات النفطيّة الى سوريا، وارتفاع أسعار شراء مادة المازوت مقارنة بأسعار مادة زيت الفيول، وفائض التوظيفات السياسية والحزبيّة في القطاع.

كما يجب معالجة الشقّ المتعلّق بالمداخيل في ظلّ الخلل الفاضح والفضيحة في جباية فواتير الكهرباء، لا سيما تلك المسجّلة على المؤسّسات والإدارات الرسميّة والوزارات ومنازل السياسيّين ومكاتبهم والتي فاقت ١٤٢ مليار ليرة في أيار ٢٠٢١، وتأخّر المواطنين بتسديد فواتيرهم لسنوات، وعمليات سرقة التيار الكهربائي في جميع المناطق اللبنانيّة، ما يستدعي آليات جديدة لإصدار الفواتير والجباية والمراقبة.

كذلك، فإن مطلق زيادة على فاتورة الكهرباء يجب أن تستند الى دراسة معمّقة للأثر الاقتصادي والاجتماعي لتحديد نسبة أو مبلغ الزيادة وآلية تطبيقها، حتى لا يواجه اللبنانيون فاتورة باهظة في كهرباء لبنان إضافةً الى اشتراك المولّدات، علماً أنّهم يعانون من انخفاضٍ حادٍ في قدرتهم الشرائية جراء التضخم الاقتصادي وتراجع قيمة العملة الوطنيّة.

في خلاصة الأمر، لن يؤدّي اقتراح رفع تعرفة الكهرباء بشكله الحالي الى النتيجة المرجوّة في غياب إصلاحاتٍ جذريّة وحقيقيّة ومستدامة في قطاع الكهرباء ومن دون دراسة لأثر هذه الزيادة على اللبنانيّين، وستواجه الحكومة نتائج كارثيّة بسبب إلغاء دعم الكهرباء وزيادة التعرفة على العائلات المتدنيّة والمتوسطة الدخل قبل تصحيح الأجور بشكل مناسب، ومن دون ضمانة بزيادة ساعات التغذية. ما عدا ذلك، من المرجّح أن تأتي الزيادة بنتائج عكسيّة قد تحصل جرّاء ارتفاع عمليات سرقة التيار الكهربائي أو امتناع المشتركين عن تسديد قيمة الفواتير المضخّمة، لأنّ اللبنانيّين ما عادوا يرون في قطاع الكهرباء المهترئ سوى مشاريع غارقة في الفساد واستكمالاً لنهب المال العام. وما زالت الدّولة المتصدّعة تتغافل عن إعطاء اللبنانيّين حقوقهم كاملةً أولاً، لتستحق أن تطالبهم بمستحقاتها تالياً.

 

مصدراللواء - د. مازن ع. خطاب
المادة السابقةردّ قانون «الدولار الطالبي»: بأيّ «أكثرية مطلقة» يَمُر؟
المقالة القادمةكبير اقتصاديي معهد التمويل الدولي: الانــهيار الاقتصادي الشامل بات وشيكاً