سرقة مازوت منشآت طرابلس: بابٌ لتثبيت تعيينات سياسية

تتفرّع عملية سرقة نحو 600 ألف ليتر من المازوت من منشآت النفط في طرابلس، إلى أكثر من طريق تُستَعمَل لتمويه قضية حسّاسة مرتبطة بها، وهي إجراء تعيينات وظيفية تمهيداً للإطباق على المنشآت، بدءاً من تغيير الرئيس الحالي للجنة إدارة منشآت النفط في طرابلس هادي حسامي. ولا يعني ذلك أن السرقة مباحة وأن التحقيق في تفاصيلها أمر ثانويّ، بل يعني عدم حصر الملف بتوقيف بعض الموظّفين ككبش فداء، لأن التضحية ببعض “الصغار” دائماً ما تكون وسيلة لإقفال الملفّات وترتيب أمور “الكبار”.

توقيف المدير العام وثلاثة موظفين

أحال المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، ملفّ سرقة المازوت من المنشآت، إلى قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار، التي أصدرت قراراها يوم أمس الثلاثاء 29 تشرين الثاني، بـ”توقيف رئيس لجنة إدارة منشآت النفط في طرابلس وثلاثة أشقّاء من آل غمراوي يعمل أحدهم حارساً والآخر رئيساً لدائرة الحرس والثالث رئيساً لدائرة التخزين”، وفق ما أكّدته مصادر متابعة للملف. وجاء التوقيف بتهمة السرقة والإهمال الوظيفي، وذلك بعد الكشف على مبنى المنشآت وخزاناتها، وجرى ختمها بالشمع الأحمر لحين انتهاء التحقيق.

وأثار التوقيف غضب الموظفين الذين رفضوا في وقت سابق تحميلهم والمنشآت مسؤولية تقصيرٍ وخللٍ ليسوا مسؤولين عنه. ورفضوا قبل ذلك، قرار وزير الطاقة وليد فيّاض إقفال المنشآت ردّاً على حادثة السرقة. وفي سياق متابعة عملها “ستستمع القاضية نصّار للموقوفين في جلسة تنعقد بتاريخ 8/12/2022”.

المسار القانوني المفترض به كشف المستور، لا يبرّر إقفال المنشآت ووضع صغار موظفيها في دائرة الاتهام “في حين تقبع الحقيقة لدى كبار الموظّفين، وصولاً إلى الإدارة المركزية للمنشآت في بيروت، بالإضافة إلى وزارة الطاقة”، تقول المصادر. ومن هنا، ينبغي “عدم الاكتفاء بتوقيف حسامي والأخوة من آل غمراوي، بل يفترض استدعاء من هُم بمناصب أعلى، وصولاً إلى المديرة العامة للمنشآت أورور فغالي، بصفتها المسؤول المباشر عن حسامي الذي كان قد أرسل إليها كتاباً حول طرق حماية خطوط المازوت، لكنه لم يحصل منها على إجابة”. ناهيك بتجاوزات تتعلّق بـ”حماية بعض المتورطين بسرقات سابقة. وبعضهم جرى توقيفه وإخلاء سبيله بعد تدخّلات سياسية”.

وبالفعل، “استمَعَ القاضي إبراهيم إلى فغالي” في معرض إجرائه التحقيقات في الملف قبل إحالته إلى القاضية نصّار. وبحسب مصادر قضائية، فإن “إبراهيم لم يجد ما يدين فغالي. وبما أن الملف بات في عهدة نصّار، فإن لها قرار الاستماع إلى فغالي مراراً، وأن تقرّر ما إذا كانت متورّطة بأمر غير قانوني أم لا”.

تحضيرات للسيطرة على المنشآت

ترك منشآت النفط في طرابلس وسط الفوضى الإدارية والأمنية، يُسهِّل عملية التلاعب السياسي بها، وتحديداً لناحية السيطرة على إدارتها وهو ما تحاول إنجازه جهات سياسية. وقد بدأت العملية مع رئيس اللجنة السابق سركيس حليس واستمرّت مع حسامي. ولا تعني محاولة إزاحتهما تبرئة ساحتهما من أي ارتكابات قد يُظهرها القضاء، لكن العملية متّصلة بأغراض سياسية تؤشّر عليها تعيينات حصلت أخيراً، تُمهِّد بعض جوانبها إلى الإطباق على منشآت طرابلس.

التعيينات التي قادتها فغالي، “وقّعها وزير الطاقة وليد فيّاض قبل سفره للمشاركة في المجلس الوزاري العربي للمياه”. وتضيف المصادر أن التعيينات في مناصب مختلفة ضمن المديرية العامة للنفط، “شملت بشير. ط، وجيسكار. خ. وجولييت أبو. ج”. على أن الخطوة التالية هي “إصدار قرار بتكليف جيسكار بالقيام بمهام حسامي”. وإلى حينه، تبقى المنشآت تحت سلطة مصلحة الدائرة القانونية لمنشآت النفط، التي تُدار من بيروت، بسلطة جولييت أبو. ج”. ولا تقف المسألة عند هذا الحد، بل إن “لائحة كبيرة من الأسماء تنتظر التعيين الذي سيتم قبل إحالة فغالي إلى التقاعد في كانون الأول المقبل. وكل الأسماء محسوبة على تيّار سياسي يسيطر على وزارة الطاقة ومنشآت النفط”.

تطالب المصادر القضاء بإجراء تحقيقاته وإصدار قراراته وكشف حقيقة السرقات. وتطالبه بالتوازي، بـ”توسيع التحقيقات لتشمل توظيفات أجريت في منشآت طرابلس، قبيل الانتخابات النيابية في أيار الماضي، وكانت عبارة عن رشى انتخابية”. ولا تستبعد المصادر أن تكون كميات المازوت التي وُزِّعَت في فترة الانتخابات “قد أخذت من منشآت النفط. وهذا ما يجب على القضاء كشفه”.

منشآت النفط في طرابلس وأنابيبها، تعرّضت سابقاً للكثير من عمليات السرقة، سواء سرقة المازوت أو النفط المارّ بالأنابيب الآتية من العراق. وفي كلّ مرّة، يُقبَضُ على صغار المتّهمين، ويُفرَج عن المدعومين منهم. فيما كبار المسؤولين يبقون خلف الكواليس، ولا يظهرون إلاّ في حالات التناحر السياسي الذي يُتَّخَذُ حماية المنشآت ومخزونها، غطاءً مهمّاً لتأكيد السيطرة.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةقفزة عملاقة للصين: الاستحواذ على صناعة السيارات الكهربائية والليثيوم
المقالة القادمةنقابة المستشفيات: لترك التفسيرات الدستورية جانبًا وعقد جلسة للحكومة لاتخاذ القرار بشأن موازنة الاستشفاء