صفقة ميقاتي وسلامة: حرق الدولارات لحماية الحاكم

وهنا، ثمّة أسئلة لا تنتهي عن التواطؤ بين مصرف لبنان والمصارف التجاريّة، والذي مكّنها من معرفة تفاصيل القرار قبل صدوره، ومن ثمّ المضاربة على قيمة الليرة بهذا الشكل والاستفادة من عمليّة حرق الدولارات المنظّمة التي يقوم بها مصرف لبنان.

وفي قائمة المستفيدين أيضًا، حلقة ضيّقة من المضاربين من أصحاب العلاقة الوثيقة بأوساط الصرّافين والمصارف، عبر بيع الدولار في السوق الموازية بسعر السوق المرتفع، ومن ثم شراؤه مجددًا في المصارف بسعر المنصّة المنخفض. وهذه الفئة بالتحديد امتلكت أفضليّة الاستفادة من المضاربات على غيرها من المواطنين، في ظل تقنين الصرّافين عمليّات شراء الدولارات من السوق، وتقنين المصارف حجم الدولارات التي تبيعها بسعر المنصّة.

كل هؤلاء يستفيدون من مهرجان “الحسومات” على سعر الدولار في المصارف، فيما تكون النتيجة انخفاض سعر صرف السوق السوداء لمدة محدودة جدًّا، قبل أن يعاود الدولار ارتفاعه، بمجرّد استنفاد الدولارات المخصّصة لهذه العمليّة، وانتهاء عمليّة ضخ الدولار عبر المصارف. وبذلك، تكون حدثت مجزرة الدولارات التي تحصل اليوم كطلقة عبثيّة في الهواء، ولمصلحة بعض القادرين على مواكبة حفلات المضاربة من هذا النوع.

يدفعنا ما سبق إلى طرح سؤال واحد: ما الذي دفع رياض سلامة إلى مغامرة من هذا النوع؟ ما الذي فرض عليه التورّط في تبديد الدولارات في عمليّة طائشة تنتهي مفاعيلها خلال مدّة قصيرة، قبل أن يسأله الجميع عن الكلفة والهدف والمستفيدين، تمامًا كما حصل في مغامرة الهندسات الماليّة سابقًا؟

الجواب على هذا السؤال ممكن سياسياً، وليس على الصعيد الاقتصادي. فما يجري لا يمكن تفسيره بأي منطق اقتصادي أو مالي هادف. ولم يحدث أن اشتدّت الضغوط السياسيّة على حاكم مصرف لبنان كما حدث في الأسابيع الماضية. وهذا ما فرض على سلامة مقايضة يبدد بموجبها الدولارات، لضبط سعر الصرف على المدى القصير وتحصين وضعيّة حكومة ميقاتي، بمعزل عن آثار هذه الخطوة المدمّرة على المدى الأطول. وفي مقابل هذه الخطوة، تتكرّس الحماية السياسيّة التي يستفيد منها سلامة اليوم.

في كل هذه الملفّات، استعان سلامة بصديقه رئيس مجلس الوزراء نجيب مقياتي. وفي اللحظات الأخيرة تدخّل ميقاتي مع النائب العام التمييزي غسان عويدات، لعرقلة عمليّة مداهمة المصارف التي طلبها القاضي جان طنّوس من جهاز أمن الدولة، والتي كان يفترض أن تفضي إلى تسليم داتا حسابات شقيق سلامة. وبفضل تدخّل ميقاتي، توقّفت العمليّة بعدما كانت دوريّات أمن الدولة قد قامت بالمداهمة وشارفت على فرض استلام الداتا. وهكذا، تحوّل ميقاتي إلى العقبة الأساسيّة التي تحول دون سحب داتا شقيق سلامة، وتسليمها إلى المحاكم اللبنانيّة والأجنبيّة التي تحقق بارتكابات الحاكم.

لهذه الأسباب بات ضخ الدولار بهذا الشكل مجرّد ثمن يدفعه حاكم مصرف لبنان لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مقابل تثبيت الحماية السياسيّة التي يتلقاها منه. وهذا في ظل اشتداد الضغوط الخارجيّة والداخليّة على سلامة. وتبديد الدولارات بهذا الشكل، لن يسهم بأي معالجة نقديّة جديّة على المدى الطويل. وسيعاود الدولار صعوده حين ينتهي مصرف لبنان من هذه العمليّة المكلفة. ولكنّ غاية ضخ الدولار اليوم ليست سوى شراء الوقت لمصلحة رئيس الحكومة، عبر تهدئة صعود الدولار خلال الفترة الزمنيّة القصيرة المقبلة، على أعتاب الانتخابات النيابيّة إذا حصلت. وبالتوازي مع عودة الحكومة للاجتماع للتباحث في موازنة العام الحالي، وخطّة التعافي المالي. بمعنى آخر: سلامة يشتري الحماية السياسيّة بدولاراتنا!

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةنقابة معلمي “الخاص” تبتز الأهالي: إضراب حتى الدفع بالدولار
المقالة القادمةالسنترالات تتهاوى: “جهنّم… العنكبوتية”!