عمولات FORRY… للبحث في قانونية إستحقاقها قبل البحـث في قانونية تقاضيها

يتابع اللبنانيون منذ مدة نشاط فريق قضائي يعمل في عدد من الدول الاوروبية على ملفات ادعاءات تتعلق بمشروعية تحويلات واكتساب اصول في هذه الدول. وقد قدم هذا الفريق مؤخراً الى بيروت لحضور جلسة استماع لحاكم مصرف لبنان في قصر العدل دعا اليها قاضي التحقيق الاول، في اطار المساعدة القانونية التي تنص عليها المادة 46 من «اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الفساد» والتي يشارك في عضويتها لبنان.

بالطبع ما قيل وما عرض في جلسة الاستماع المذكورة، وايضاً ما سبق ان قيل قبل ذلك خلال التحقيقات التي اجريت، ان في لبنان او في الخارج، يبقى سرياً ولا يجوز التأسيس عليه الا ما يعلنه المعنيون بها شخصياً قبل اختتامها.

بيان حاكم مصرف لبنان

بهذا الاطار اكد حاكم مصرف لبنان في بيانه الذي وزعه بعد ساعات من انتهاء جلسة الاستماع ان التحقيقات «تتعلق بموضوع عمولات تقاضتها مؤسسة Forry» التي تعمل بإدارة شقيقه مقابل ترويجها لسندات عامة مصدرة من الخزينة ومصرف لبنان و»ان هذه العمولات تأتت من القطاع الخاص وليست من المال العام وليس في ذلك اي انحراف او مخالفة».

بخصوص المعروض من المهم لفت النظر الى الامور التالية:

إصدارات الخزينة

تشير المادة 97 من قانون النقد والتسليف بوضوح الى «ان مصرف لبنان هو «العميل المالي» للقطاع العام، وبهذه الصفة يساعد «مجاناً» على ترويج قروض القطاع العام الداخلية والخارجية. اي بدون تقاضي اي عمولات لا عند الاعلان عن طرح اصدارات الدين العام في الاسواق ولا عند الاكتتاب بها من قبل المصارف والمؤسسات المالية او من خلالها.

هذا وتشير البيانات والاحصاءات عن الاصدارات العامة، من سندات خزينة ويوروبوندز، ان غالبيتها كانت على الدوام بملكية لبنانيين، بصورة اساسية المصارف اللبنانية، حتى قبل التخلف عن سداد سندات يوروبوندز مستحقة. وكان هذا مثار اعتزاز وافتخار من قبل القيمين على الامور بحجة ان الدين العام بنسبته الكبرى ليس بيد اجنبية على عكس ما هو الامر في العديد من الدول.

بعد لفت صندوق النقد الدولي النظر مراراً الى خطورة انكشاف القطاع المصرفي على الديون السيادية، ورفع مصرف لبنان مخاطر ديون الخزينة، تراجعت بشكل ملحوظ توظيفات المصارف باصدارات الاخيرة وتحولت باتجاه التركيز على اجراء ايداعات لدى مصرف لبنان لقاء الحصول على شهادات ايداع مقابلة بمعدلات فوائد جد مجزية.

شهادات الإيداع المصدرة من مصرف لبنان مشوبة بعيبين قانونيّين جوهريّين

العيب الاول: بالشكل

لا يتضمن قانون النقد والتسليف اي نص يتحدث بشكل صريح عن امكانية مصرف لبنان اصدار شهادات ايداع مقابل اموال يتلقاها او سبق ان تلقاها، ان بالليرة اللبنانية او بالعملة الاجنبية.

والحالة الوحيدة التي يشير اليها القانون المذكور هي حالة اصدار مصرف لبنان شهادات الايداع مقابل ما يودع لديه من الذهب حصرياً لا من العملات الاجنبية. وقد ورد الامر في القسم الثامن منه الذي يحمل العنوان التالي «عمليات المصرف على الذهب والعملات الاجنبية» وبالتحديد في الفقرة (2) من المادة 81 ونصها التالي: « بامكان مصرف لبنان ان يقبل لديه ايداعات النقود الذهبية او السبائك الذهبية وان يصدر لصالح من يطلبها من المودعين «شهادات ايداع ذهب» بشكل سندات لحاملها او للامر».

والنص الذي تم التأسيس عليه من قبل مصرف لبنان لاصدار شهادات الايداع حسب ما يظهر من القرار الاساسي 7534 موضوع التعميم الاساسي رقم 67 هو المادة ( 76- و) بالنسبة للايداعات بالليرة اللبنانية، والمادة (81– 6 ) بالنسبة للعملة الاجنبية.

في ما خص الايداعات بالليرة اللبنانية تتحدث المادة (76- و) ان دور مصرف لبنان يقتصر على «قبول ايداعات «معروضة عليه» وليست «مطلوبة منه» في ضوء الحالة النقدية العامة لقاء فوائد يقوم هو بتحديدها»، ما ينفي الحاجة لأية عمولات، وهو امر يتماشى مع حكم مماثل يرد في قوانين عدد من المصارف المركزية في العالم. منها على سبيل المثال لا الحصر الفقرة 6 من المادة 14 من قانون المصرف الوطني السويسري التالي نصها:

Art 14:

La Banque Nationale (Suisse) est autorisée à faire les opérations suivantes:

………

6. Acceptation de fonds en dépôts, non rémunérés. Seuls les fonds de la Confédération, ceux du personnel et des institutions de prévoyance de la Banque Nationale, ainsi que les revenus provenant de titres gérés pour le compte de tiers peuvent porter intérêt.

جدير بالذكر ان القانون السويسري يتحدث ايضا في (الفقرة 2 مكرر) من ذات المادة عن امكانية المصرف السويسري اصدار وشراء لحسابه الخاص (BPI) اي اذونات منتجة للفوائد Bons Productifs d Interet (أ) لمدة سنتين كحدّ أقصى و(ب) «شرط ان تقتضي ذلك متطلبات التدخل النقدي» حسب الفقرة المذكورة.

وقد أورد البروفسور Leo Schurmann نائب رئيس سابق في الادارة العامة للمصرف الوطني السويسري والمستشار القانوني للاخير الايضاح التالي بخصوص ( الفقرة 2 مكرر) في مؤلفه عن شرح مواد قانون المصرف المركزي السويسري والمعنون

La loi sur La Banque nationale

et ses dispositions d’exécution

Textes et commentaire

فقد ذكر في الصفحتين 58 و59 من مؤلفه ان الاذونات المنتجة للفوائد Bons Productifs d’Intérêt المسموح للمصرف المركزي السويسري اصدارها هي:

(1) حصراً بالعملة الوطنية والسبب ان الامر هو لضرورات التدخل وامتصاص السيولة التي على اساسها تحتسب الكتلة النقدية في المعادلة التالية M*V=P*Q.

M= حجم الكتلة النقدية بجميع مكوناتها الـ fiduciaires و scripturales( بالليرة اللبنانية)

V= سرعة دوران النقد

P= المستوى العام للاسعار

Q= حجم الناتج المعروض

(2) انها ليست للتداول الا في حدود جد ضيقة بسبب طبيعتها التي تعتبر مكملة للاحتياطي الالزامي. وقد اشار الى ان السوق الثانوي لهذه الاذونات غير مرغوب فيه ومحصور جداً الا في حالات محدودة كما عمليات الحسم او نظام عقد الامانة وغيره.

Il sera ainsi plus facile à La Banque Nationale de pratiquer une véritable politique d’intervention monétaire puisqu’elle pourra émettre, en vue d’éponger les liquidités du système bancaire, ses propres titres monétaires.

Ces opérations visent à influer sur la base monétaire – et partant sur la masse monétaire – ou sur les taux d’intérêt.

La politique d’intervention monétaire est un instrument extrêmement simple et efficace à court terme qui permet un contrôle sélectif et complète utilement le système des réserves minimales ( message 1978p 45-55 ).

Les BPI (bons productifs d’intérêt ) ne soient négociables que dans certaines limites étant donné le but qui leur est assigné. L’existence d’un marché secondaire n’est pas souhaitée. Les possibilités de les escompter et de les mettre en nantissement sont restreintes. Il en va de même de la mise en pension sur laquelle la BNS se prononce pour chaque tranche émise. De cette décision dépend la possibilité pour les banques de faire figurer ou non les BPI parmi leurs actifs facilement réalisables

العيب الثاني: بالموضوع

إستند مصرف لبنان في اصداره لشهادات الايداع بالعملات الاجنبية، وحسب القرار الاساسي رقم 7534، على المادة (81-6) من قانون النقد والتسليف.

من الرجوع الى نص هذه المادة يتبين انه يشير الى امكانية مصرف لبنان «فتح حسابات لمصارف مركزية ولمصارف اجنبية ولمؤسسات دولية وان يكون عميلاً لهذه المصارف والمؤسسات»، من دون اية اشارة الى المصارف اللبنانية وهي المعنية الاساسية بموضوع الاقراض واكتساب شهادات الايداع المصدرة من مصرف لبنان.

ذات الامر بالنسبة للفقرة التالية من المادة 81 اي المادة ( 81 – 7) فهي تتحدث عن حالتي الاقراض والاستقراض من المصارف المركزية والمصارف والمؤسسات المالية الاجنبية والمؤسسات المالية الدولية شرط ان يكون الاستقراض (1) لمدة قصيرة الاجل و (2) وضمن نطاق مهامه كمصرف مركزي وايضاً من دون اية اشارة الى المصارف اللبنانية وهي المعنية الاساسية بموضوع الاقراض واكتساب شهادات الايداع المصدرة من مصرف لبنان.

ومعلوم ان الاستقراض المباشر بين المصارف هو على العموم بمعدلات فوائد ادنى من معدلات التعامل في الاسواق المالية، وبالتالي افضل بكثير لمصرف لبنان من الاستقراض من خلال شهادات الايداع وما قد يجره من اشكاليات.

هذه الاشكاليات بدأت ليس فقط (1) باصدار مصرف لبنان شهادات ايداع بالعملات الاجنبية بدون اي سند قانوني و(2) مقابل اموال مودعة لديه بصورة اساسية من قبل المصارف اللبنانية اي من اموال مودعيها بالعملات الاجنبية و(3) لآجال ليست قصيرة المدى بتناقض صريح للمادة (81-7 ) ودون اي تأكيد على انها لضرورات مهام مصرف لبنان، بل ايضاً (4) بتجاوز معدلات فوائد شهادات الايداع المصدرة منه اي من مصرف لبنان ما بين 4 و6% معدلات Libor (والاخيرة يستند اليه عالمياً في تحديد معدلات فوائد رأس المال) ما نجم عنه تحقيق ارباح اجمالية للمصارف، مشكوك بقانونيتها، ما بين 2002 و 2008 بلغت 31 مليار دولار اميركي، قيمتها الصافية 25 مليار دولار.

تتويج الإشكاليات بالعمولات

إشكاليات تمّ تتويجها باللغط الذي اثير حول العمولات التي تم تقاضيها لترويج شهادات الايداع، مع ان العملية لا تتطلب اي ترويج ولا تستلزم بالتالي دفع اي عمولة لانها تتعلق حسب القرار الاساسي رقم 7534 بايداعات حرة لدى مصرف لبنان يستطيع صاحبها طلب شهادات ايداع مقابلها.

مصدرنداء الوطن - توفيق شمبور
المادة السابقة6500 مليار ليرة الكلفة الشهرية لزيادات الرواتب
المقالة القادمةكركي: نظام تحويل تعويض نهاية الخدمة الى معاش تقاعدي في عهدة مجلس الإدارة