قمح الأهراءات: لا حلول للخلاص منه سوى الاشتعال

منذ أيام، يتسلّل الدخان من صوامع القمح في ما تبقّى من أهراءات مرفأ بيروت. وبين الفينة والأخرى، تخرج ألسنة اللهب ثم تخبو… ثم تحترق ثم تخبو. هكذا، في حلقة لا يبدو أنها ستكتمل يوماً. ما يبدو واضحاً أن نهاية كميات قمحٍ تزن آلاف الأطنان، طُمرت تحت أنقاض الصوامع المنفجرة قبل نحو عامين، ليست قريبة، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي يحترق فيها القمح، وأن إمكانية احتراق كميات إضافية في الفترات القادمة حاضرة بقوة.

وعلى عكس الشائع، لا يمكن التصرّف مع الحريق الحاصل في الأهراءات كما في الحرائق العادية، فالمياه هنا لا تحلّ الأزمة، وإنما تزيدها فداحة، على ما تفيد المديرية العامة للدفاع المدني، انطلاقاً من أن «أي تدخل لإطفاء الحريق سواء بواسطة المياه، أو مواد الإطفاء، سيؤجّل المشكلة لبضعة أيام لتعود النار والدخان لإنتاج آثار جديدة ربما تتسبّب بأضرار جديدة أكثر خطورة». ولذلك، فإن أكثر الحلول نجاعة اليوم هو «تركها تشتعل خصوصاً أنها تحترق بشكلٍ كامل»، بحسب الدكتور محمد أبيض، مستشار وزير البيئة ورئيس اللجنة العلمية لمعالجة الحبوب في مرفأ بيروت عقب انفجار الرابع من آب.

ولا يأتي قرار ترك القمح يحترق من باب العجز، وإنما استناداً إلى تقارير علمية ومعاينات تقود إلى الخلاصة التالية: إطفاء الحريق بالمياه سيزيد في الرطوبة التي تؤدي إلى تفاعل عملية التخمير. وهكذا، كلما تمدّدت الرطوبة زادت الكميات المشتعلة. بحسب أبيض، فإن «إطفاء الحريق يحتاج إلى إشباع القمح بالمياه وهذا سيزيد الرطوبة التي ستتسرّب إلى الأسفل خصوصاً أن ارتفاع القمح يبلغ في بعض الأماكن 9 أمتار، ما سيزيد عملية التخمّر». ويتطرّق أبيض إلى كيفية حدوث التخمّر الذي يتفاعل بعد الرطوبة «مع تخطي الحرارة الـ95 درجة مئوية، ومن ثم يبدأ التفحّم ويتحوّل إلى اشتعال».

بالنسبة إلى أبيض، لا حلول أخرى يمكن سلوكها مع الكميات المتبقّية من القمح المحاصر داخل الصوامع، وخصوصاً في الأماكن المعرّضة لخطر الانهيار. وبحسب التقديرات، تبلغ كمية القمح والذرة أيضاً التي لا تزال هناك والتي لم نستطع الوصول إليها «11.500 متر مكعب وسط الأهراءات تقريباً وحوالى 9 آلاف متر مكعّب من الجهة الخلفية»، وهي تقع ضمن الرقعة الخطرة. ويشير أبيض إلى صعوبة الوصول إليها «لأن أيّ حركة يمكن أن تعجّل بالانهيار، خصوصاً أن البنية غير ثابتة، وهناك انزياح ما بين 0,1 و1 ملليمتر يومياً»، ما من شأنه أن يعرّض حياة العاملين للخطر.

وكان وزير الأشغال العامة والنقل، علي حمية، قد أصدر قرارين سابقاً طلب بموجبهما منع الاقتراب من أهراءات مرفأ بيروت بحدود 100 إلى 150 متراً، منعاً لحدوث كوارث إنسانية، وخصوصاً الجهة الشمالية من الأهراءات، إذ يشير حمية، واستناداً إلى تقارير الخبراء، إلى أن هذه الجهة، كما الصوامع الموجودة فيها انفصلت عن الجسر الأساسي، ما يهدّد بانهيارها في أيّ لحظة.

الكميات الموجودة حالياً ليست كلّ القمح الذي تحويه الصوامع اليوم، فقد احترق البعض منها على دفعات، ومنها الدفعة الأخيرة التي تُقدّر بـ800 متر مكعب، أي بحدود 600 طن، فيما ذهبت كميات أخرى إلى المعالجة، وهي تلك التي تمكّن العاملون من الوصول إليها. ويشير أبيض إلى أن الكميات التي سُحبت تُقدر بـ10 آلاف متر مكعب، أي ما يقرب من 8500 طن، وقد أعطيت إلى بلدية زحلة التي «حوّلتها بدورها إلى كومبوست من المفترض أن توزّعه على المزارعين». ثمّة ما يمكن أيضاً الاستفادة منه، وهو القمح المتفحّم الذي يمكن استخدامه في وقتٍ لاحق كفحم اصطناعي للتدفئة.

مصدرجريدة الأخبار - راجانا حمية
المادة السابقةالسعودية ضاعفت استيراد زيت الوقود الروسي
المقالة القادمةسلام من مرفأ بيروت: الحرائق ستستمر… وإذا تكرّرت ستنهار الأهراءات