لبنان يبدأ خطوة في رحلة شاقة لإصلاح فوضى الإنفاق العام

بدأت الحكومة اللبنانية أولى خطواتها في رحلتها الشاقة لإصلاح فوضى الإنفاق العام بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لإصلاح الشراء العام في البلاد، والتي تمثل بادرة ضمن حزمة الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي. ولطالما أكد المحللون والخبراء أن الحلول العاجلة لمشاكل لبنان المالية تكمن بالأساس في وجوب وضع خطة فعالة لخفض الإنفاق الحكومي الذي كان لعقود خارج نطاق السيطرة بفعل المحاصصة الطائفية والفساد.

ومنذ تفجر الاحتجاجات ضد السلطة الحاكمة قبل عامين وبعد فشل حكومتين متعاقبتين، الأولى برئاسة سعد الحريري في 2019 ثمّ حكومة الرئيس حسّان دياب عام 2020، في الالتزام بإصلاح الشراء العام شرعت حكومة نجيب ميقاتي في خوض هذه المعركة الحاسمة التي تتطلب إرادة سياسية قوية. ويشهد الاقتصاد اللبناني سقوطا حرا منذ 2019 وفقدت العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها مما جعل أغلب السكان يعيشون في حالة فقر ودفع المهنيين وذوي الخبرة في كل القطاعات تقريبا للسفر إلى الخارج من أجل إيجاد فرص عمل.

ونسبت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية إلى ميقاتي قوله إن إطلاق هذه الاستراتيجية “يأتي منسجما مع تطلعات حكومتنا الإصلاحية التي انبثقت أولا من إرادتنا الذاتية ورغبة المجتمع اللبناني في الإصلاح، وتناغمت ثانيا مع توصيات المانحين”. ويعتبر خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن مسألة إصلاح الإنفاق العام للدولة ثالثة أوكد الأولويات أمام السلطات اللبنانية بعد إصلاح قطاعي الكهرباء والقضاء. ومن المتوقع أن تدخل الاستراتيجية، التي اعتبرها ميقاتي “نقطة انطلاق لاتخاذ الإجراءات الإصلاحية الضرورية بشكل منسق بين الجهات المعنية كافة على المستوى الوطني”، حيز العمل في النصف الثاني من العام الجاري. ومع أن الشراء العام يمثل ما معدّله 20 في المئة من الإنفاق العام و6.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، والذي بلغ نحو 3.4 مليار دولار في 2019 على المستوى المركزي، تظل هذه المنظومة غير قادرة على مواكبة مثيلاتها في البلدان النامية الأخرى مثل تونس ومصر والأردن، وفقا للتقارير الدولية.

وكان التقرير الخاص بلبنان والصادر عن البنك الدولي واستنادا إلى منهجية تقييم أنظمة الشراء العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد أشار إلى نقاط الضعف في منظومة الشراء العام في لبنان. ورصد التقرير عدة عوامل أدت إلى ذلك، من بينها هدر المال العام وغياب المنافسة وضعف التقيّد بالمعايير الدولية وعدم كفاية القدرات المؤسساتية والاحتيال والفساد والتكاليف الباهظة على الاقتصاد والمجتمع، بالإضافة إلى عدم المساواة وضياع الفرص. وتشير التقديرات الدولية إلى أن الفساد يكلف لبنان سنويا نحو 10 مليارات دولار، نصفها بسبب سوء إدارة الأموال العامة والعوائد المحدودة على الاستثمارات، أما النصف الآخر فهو جراء خسارة الفرص الاقتصادية الناتجة عن هروب رؤوس الأموال وتردد المستثمرين المحتملين.

ولإحداث اختراق في جدار الأزمة الاقتصادية المزمنة دعا وزير المالية يوسف الخليل أثناء إطلاق الاستراتيجية كل الشركاء الدوليين إلى توفير الدعم المنسق لتنفيذ ما حددته استراتيجية إصلاح الشراء من خطوات تنفيذية. وقال إن “إطلاق الاستراتيجية الوطنية لإصلاح الشراء العام هو خطوة منسجمة أولا مع متطلبات الإصلاح التي التزمت بها الحكومة، وثانيا مع مطالبة المجتمعين اللبناني والدولي بتأمين أعلى درجات الفاعلية والشفافية والمساءلة في إنفاق المال العام”.

وأضاف “نحن اليوم نقف أمام استحقاق دخول القانون حيز التنفيذ في يوليو هذا العام وهذا تحد كبير بالنسبة إلينا يتطلب عملا تقنيا معقدا، مدعما بإرادة سياسية أكيدة، وهو بالتأكيد يحتاج إلى توفير الموارد البشرية والتقنية والمالية لإنجازه ضمن المهل المحددة”. وانعكست الأزمات السياسية المالية والاقتصادية والصحية تدهورا معيشيا متصاعدا وشحا في السيولة النقدية وقيودا مصرفية على سحب الودائع، مما دفع السلطات إلى التوقف عن سداد الدين الخارجي في إطار إعادة هيكلة شاملة للدين الذي تجاوز حوالي 90 مليار دولار.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةهل تحقق تركيا أي نجاح لإصلاح الاقتصاد؟
المقالة القادمةرويترز: مشروع موازنة 2022 يطبق سعر صرف يتراوح بين 15 و20 ألف ليرة للدولار للنفقات التشغيلية