لبنان يدخل مرحلة “التضخّم المفرط”: البلاد تتجه إلى انفجار

كما توقّع كثيرون من قبل، انتقل لبنان أخيرًا من مرحلة التضخّم السريع والحاد، إلى مرحلة التخضّم المفرط أو الجامح، مع كل ما يعنيه ذلك من معدلات فلكيّة في ارتفاع الأسعار، وتهاوٍ لا قعر له في قيمة أجور المقيمين الشرائيّة. في شهر تشرين الأوّل الماضي، سجّل مؤشّر أسعار المستهلك نسبة تضخّم بلغت حدود 173.57%، وهي أعلى نسبة تضخّم يسجّلها هذا المؤشّر منذ إطلاقه عام 2008. بمعنى آخر، ولفهم خطورة هذا الرقم ودلالاته، تكفي الإشارة إلى أنّه يعني أنّ متوسّط أسعار السوق ارتفع بنحو 2.73 أضعاف، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، في تطوّر لافت وغير مسبوق منذ بدء الأزمة الماليّة في لبنان.

أما أخطر ما في الموضوع، فهو نوعيّة السلع والخدمات التي قادت ارتفاع نسب التضخّم الجديدة، والتي تمثّل أكثر أبواب الإنفاق حساسيّة، أي تحديدًا الحاجات الملحّة التي لا يمكن الاستغناء عنها أو تأجيل تأمينها، كالمواد الغذائيّة والنقل والخدمات الأساسيّة وغيرها.. باختصار، تنذر هذه الأرقام بأزمة اجتماعيّة مقبلة، في ظل التراجع التي سيطرأ على قدرة المقيمين الشرائيّة ومستوى معيشتهم.

تضاعُف أسعار السوق بمعدّل 2.73 مرّات خلال عام واحد، يعني ببساطة تراجع القدرة الشرائيّة للرواتب والأجور بالمقدار نفسه. وهو ما يعني أيضًا دفع المزيد من الفئات الاجتماعيّة إلى ما دون خط الفقر. ولهذا السبب بالتحديد، تقدّر الأمم المتحدة اليوم وجود 4 من كل 5 لبنانيين في مصاف فئة الفقراء، أو في مصاف الفئات الأشد فقرًا، كنتيجة تلقائيّة لتهاوي قيمة أجورهم ومداخيلهم. ومع تركّز زيادة الأسعار في فئة السلع الغذائيّة تحديدًا، ترتفع مخاطر أزمات الأمن الغذائي، وفقدان المقيمين القدرة على تأمين أبسط حاجاتها الغذائيّة.

في ظل هذه الظروف، تبرز إلى الواجهة مخاطر اتجاه البلاد إلى مرحلة رفع الدعم، مع كل ما صاحبها من ارتفاع قياسي في معدلات التضخّم، دون أن تكون قد حضّرت الحكومة أبسط آليّات الدعم البديلة. فمشروع البطاقة التمويليّة متعثّر لأسباب عديدة، أبرزها غياب التمويل وعدم انسجام المشروع مع شروط البنك الدولي. أما برنامج دعم الأسر الأكثر فقرًا، فيعاني من محدوديّة عدد الأسر المستفيدة من خدماته، قياسًا بالحاجات الفعليّة. وهذا المشروع تأخّر بدوره بسبب عدم التزام المجلس النيابي عند إقراره بشروط الرقابة والشفافيّة التي يفرضها البنك الدولي، مموّل هذا المشروع. ببساطة، كل ما يجري على مستوى ارتفاع الأسعار وزيادة معدّلات الفقر، مع غياب شبكات الحماية الاجتماعيّة، يؤشّر إلى أن البلاد تتجه إلى انفجار اجتماعي كبير يصعب استيعابه.

كل ما جرى، كان بالإمكان تفاديه لو أن لبنان عمل على رفع الدعم بشكل منظّم، وفق سياسة مدروسة لتعويم سعر الصرف وتوحيده بشكل متدرّج. وهذا المسار، كان يفرض وجود خطة تتكامل فيها السياسة النقديّة الجديدة مع خطة الحكومة للتعافي المالي، وبالتوازي مع الحصول على جرعات الدعم من صندوق النقد. لكنّ دخول مرحلة رفع الدعم بشكل فوضوي وغير منظّم، فتح باب تدهور سعر صرف الليرة من جهة، وأدى إلى رفع معدلات التضخّم بهذا الشكل نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات من جهة أخرى.

وبانتظار إقرار خطة التعافي الماليّة الجديدة، ومن ثم التفاهم عليها مع صندوق النقد كما تستهدف اليوم حكومة ميقاتي، لا يوجد ما يبشّر بحل قريب لأزمة التضخّم وارتفاع الأسعار، لاتصالها أولًا بأزمة سعر الصرف التي لا يمكن استيعابها من دون هذا النوع من الخطط. وبانتظار ذلك، سيكون على الفئات المحدودة الدخل تحمّل وطأة أزمة ارتفاع الأسعار بشكل قاسٍ مع كل تدهور إضافي في سعر صرف الليرة اللبنانيّة، بغياب أي تصوّر لكيفيّة تصحيح أجور القطاعين العام والخاص بشكل شامل خلال الأشهر المقبلة.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةالمصارف تُحضِّر لطعنة جديدة: هل تتدخّل المحاكم البريطانية؟
المقالة القادمةتوسع هائل في حزام الفقر في لبنان