مجزرة الكابيتال كونترول

إنها النسخة رقم عشرة من مشروع قانون الكابيتال كونترول والتي من المفروض أن تدرسها لجنة المال والموازنة بعد أن أقرّتها الحكومة اللبنانية في اجتماعها الأسبوع الماضي. هذه النسخة يمكن وصفها باللعنة على الاقتصاد اللبناني، إذ ستحوّله إلى اقتصاد موجّه قريب من الاقتصادات الشيوعية! فمنع خروج رؤوس الأموال بهذه الطريقة وعلى مدى عامين قابلين للتجديد، وفي غياب أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي ستقضي على أي أمل في دخول رؤوس أموال جديدة إلى لبنان وهو الذي بنى اقتصاده وقطاعه المصرفي على توافد رؤوس الأموال منذ نكبة الـ 48 وحتى العام 2019! فالبداية كانت مع الفلسطينيين بعد النكبة، إذ حوّلوا رؤوس أموالهم إلى لبنان، تلاها بعد ذلك تحويل البترو–دولار العربي إلى لبنان في الستينات وتحاويل المغتربين اللبنانيين التي بدأت في أواخر الستينات، والأموال الخليجية في تسعينات القرن الماضي وبعد عدوان تمّوز 2006… هذه التحاويل هي التي جعلت من لبنان ما كان عليه وجعلت أهله يعيشون في نعيم وراحة توازي الدول المتطوّرة حيث كان يصنّف لبنان في أعلى مصاف الدول ذات الدخل المتوسّط.

اليوم وبعد ثلاثين عاما على أداء سياسي واقتصادي مبني على المحاصصة والفساد، أصبح اللبناني في خبر كان مع عدم قدرته على شراء المواد الأولية التي يحتاج اليها ليعيش بأدنى مستويات الحياة. ومع قانون الكابيتال كونترول المطروح ومن دون اتفاق مع صندوق النقد الدولي، سيتحوّل لبنان إلى اقتصاد اشتراكي – شيوعي مع قرصنة واضحة لأموال الناس القابعة في المصارف، والنتيجة الحتمية ستكون صفر تحويلات إلى لبنان! الانكماش الذي سيحصل نتيجة هذا الأمر مرعب، وسيكون هناك مجاعة حتمية مع اعتماد لبنان في المرحلة المقبلة على المساعدات الأممية ومساعدات بعض الدول لسدّ حاجاته من الأكل والمحروقات والأدوية!

قانون الكابيتال كونترول له هدفان رئيسيان: الأول يتمثّل في أنه شرط أساسي لأي اتفاق مع صندوق النقد الدولي حيث يريد هذا الأخير ضمان أن ما سيضخه في لبنان من أموال ستبقى في لبنان ولن تتحوّل إلى حسابات في سويسرا وغيرها من البلدان، والثاني سحب الاستنسابية بحق المودعين من قبل المصارف حيث تكون المساواة بين المودعين مضمونة قانونا.

في ما يخصّ الشق الأول أي الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، هناك شبه تأكيد أن السلطة السياسية غير راغبة (أو لا تريد) بإبرام أي اتفاق مع الصندوق نظرًا إلى ما في ذلك من التزامات غير قادرة (أو غير راغبة) على تنفيذها، وعلى رأسها إصلاحات في قطاع الكهرباء، وبالتحديد تعيين الهيئة الناظمة. وبالتالي فإن قانون الكابيتال كونترول سيطبق على مدّة سنتين قابلة للتجديد من دون اتفاق مع صندوق النقد الدولي وستكون نتائجه كارثية على لبنان واللبنانيين!

في ما يخصّ الشق الثاني أي سحب الإستنسابية من قبل المصارف بحق المودعين، يكفي على الحكومة أخذ قرار على هذا الصعيد نظرًا إلى أن الكابيتال كونترول مُطبّق على الأرض من قبل المصارف، وبالتالي أي استفادة من إقراره في قانون؟ والأصعب في ذلك أن هذا الموضوع أصبح مادة تجاذب انتخابية بين القوى السياسية التي تزايد في الإعلام لتجذب الأصوات الانتخابية في حين أن هذه القوى لا تريد أو لا تستطيع القيام بما يلزم لإخراج لبنان من أزمته الحالية.

وبالتالي نستنتج أن إقرار قانون الكابيتال كونترول بصيغته الحالية ومن دون اتفاق مع صندوق النقد الدولي، سيحوّل لبنان إلى زيمبابوي الشرق مع تفشّي الفقر والجريمة وكل ذلك بسبب صراع القوى السياسية على المناصب.

وكأن كل هذا لا يكفي لتأتي القرارات القضائية وتمنع تحويل الأموال إلى الخارج على أكبر 6 مصارف في لبنان. وهذا ليس دفاعًا لا من قريب ولا بعيد عن المصارف، بل دفاع عن مصلحة المواطن حيث إن مثل هذا الإجراء يؤدّي إلى ضرب الاستيراد ومصالح الناس التي تتألم في ظل أداء سياسي ظالم! هذا الكابيتال كونترول القانوني هو إجراء مخالف للدستور على شاكلة الكابيتال كونترول القانوني الذي ينوي المجلس النيابي إقراره، وحتى على الرغم من إبطاله من قبل القضاء نفسه، إلا أن حدوث مثل هذا القرار يدل على اليد السياسية الطويلة التي تريد أن تعيث الخراب في لبنان.

مصدرالديار
المادة السابقةالاقتصاد اللبناني إلى انكماش حاد والمواطن سيدفع الثمن من قوته وحياته
المقالة القادمةالمفاوضات مع صندوق النقد