مسلسل نزيف الليرة يحطم القدرة الشرائية للسوريين

يتزايد قلق الأوساط الاقتصادية، التي تراقب عن كثب ما يحصل في سوريا، من دخول الأوضاع المعيشية إلى نقطة قد تكون أقسى على الناس في ظل مسلسل نزيف العملة المحلية.

وسجّلت الليرة السبت الماضي تدهورا قياسيا جديدا في السوق السوداء لتتخطى عتبة ستة آلاف مقابل الدولار، وفق تطبيقات إلكترونية تراقب حركة العملة، في وقت احتدت فيه أزمة المحروقات التي تشهدها البلاد جراء النزاع المستمر منذ 2011.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية أظهرت تطبيقات إلكترونية غير رسمية تراقب السوق السوداء، ويتابعها سوريون، أن سعر الصرف بلغ 6010 ليرات مقابل الدولار الواحد.

ويعتمد التجار على سعر السوق الموازية في تحديد أسعار منتجاتهم، بينما سعر الصرف الرسمي المعتمد من البنك المركزي يعادل 3015 ليرة مقابل الدولار.

ويرجح خبراء أن تتعرض العملة المحلية إلى انحدار آخر قبل نهاية العام وربما في العام المقبل، خاصة وأن الحكومة ليست لديها أدوات للتحكم في انفلات الأسعار.

وفي ضوء ذلك يتوقع أن تزيد أسعار السلع الغذائية في الأسواق التجارية المحلية، لاسيما وأن التضخم في مستويات قياسية، والذي تقدره السلطات هذا العام عند 130 في المئة، بينما يرى خبراء أنه أكثر من ذلك بكثير.

ويتفق محللون على أن الانهيار الكبير للاقتصاد وبالأخص قيمة الليرة يوسع دائرة الفقر، ويدفع أغلب السوريين إلى تخفيف وجباتهم، إضافة إلى اختفاء سلع من قائمة المشتريات مثل اللحوم والفواكه وبعض السلع الأخرى حتى وإن كانت متوفرة في الأسواق التجارية.

ولكن ذلك ليس كل شيء، فهناك آخرون يرون أن ثمة عدة عوامل متداخلة أثرت على الأسعار، منها الاحتكار وتقليص الحكومة للاستيراد وما يحصل في لبنان أيضا.

ويعيش أغلب السوريين اليوم تحت خط الفقر ويعاني 12.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفق الأمم المتحدة، بينما ترتفع أسعار السلع الأساسية بشكل مستمر في مختلف أنحاء البلاد.

وجاء التدهور الجديد لليرة بعد يومين من إقرار الرئيس بشار الأسد ميزانية 2023 بمبلغ إجمالي يعادل 5.4 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي.

كما أنه يأتي بعد قرابة شهرين من اضطرار السلطات النقدية إلى خفض أكبر في قيمة الليرة، هو الثاني خلال 2022، ما يؤكد مدى تضاؤل هوامش تحرك دمشق لمواجهة الأزمة المالية التي يحاول المسؤولون إخفاءها خلف يافطة الإصلاح.

واعتبر كثيرون أن هذه الخطوة تهدف إلى الانسجام مع الوضع الاقتصادي السيء للبلد، لكن لن يكون لها أثر كبير في إيقاف ارتفاع التضخم أو تحريك عجلة الأنشطة التجارية والاستثمارية المحلية.

وخفض البنك المركزي في أواخر سبتمبر الماضي سعر صرف الليرة إلى 3015 ليرة للدولار في حين بلغ السعر في السوق السوداء، المستخدم في معظم الأنشطة الاقتصادية، نحو 4440 ليرة.

ويُستخدم سعر الصرف الرسمي في التعاملات الرسمية وفي المبادلات المحدودة نسبيا التي تنفذها الدولة، مما يعني أن البلاد ستتجه إلى مرحلة تضخم أكبر خلال الأشهر المقبلة.

وتتضاءل كل يوم قدرة الحكومة على توفير الاحتياجات الرئيسية على وقع تدهور العملة بعدما بات أغلب السوريين تحت خط الفقر، إثر حرب أنهكت الاقتصاد ومقدّراته، إضافة إلى تداعيات العقوبات الغربية المفروضة على دمشق.

وتشهد مختلف محافظات سوريا أزمة اقتصادية خانقة ترافقت مع ارتفاع في أسعار المواد الأساسية وانقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي، وفقدان المشتقات النفطية.

وكانت الليرة قد سجلت آخر تدهور لها في أكتوبر الماضي، حيث تخطت عتبة 5 آلاف أمام العملة الأميركية. ومنذ بدء النزاع تدهور سعر صرف العملة بنسبة قاربت 99 في المئة في السوق السوداء.

ولكن الانحدار الأخير يتزامن مع أزمة وقود خانقة جديدة دفعت الحكومة خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى اعتماد سياسة تقشف أخرى في توزيع مادة البنزين.

وأدى شح المحروقات في السوق إلى تعطيل المؤسسات العامة ليوم إضافي وبعض الجامعات ليومين إضافيين في الأسبوع بسبب عدم توفر الكميات اللازمة لتشغيل وسائل النقل.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، فقد أعلن الاتحاد الرياضي السوري قبل أيام تأجيل كافة الأنشطة الرياضية جراء شحّ المحروقات، من أجل تخفيف العبء عن الأندية الرياضية.

ولطالما اعتبرت دمشق العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها سببا أساسيا للتدهور المستمر في اقتصادها من جهة، ولعدم قدرتها على استيراد حاجياتها من المحروقات من جهة ثانية، خصوصا مع خروج أبرز حقول النفط عن سيطرتها.

ويبدو خلو البنك المركزي من النقد الأجنبي والذهب عاملا مهما لبلوغ الاقتصاد المحلي هذه المرحلة الحرجة، إذ يُعتبر وجودهما من الركائز الأساسية التي من المفترض أن تستند إليها الليرة المنهارة.

وتتفق تقديرات كثيرة على أن خسائر الاقتصاد السوري زادت عن 442 مليار دولار منذ بدء الأزمة في 2011، عدا تبديد احتياطي نقدي كان يفوق 18 مليار دولار.

وفضلا عن ذلك كانت هناك 11 مليار دولار كديون مركبة لكل من إيران والصين وروسيا، منها ما لا يقل عن خمسة مليارات دولار بضمانات سيادية، ما يعني تقييد الاقتصاد السوري بشروط فاقت في شدتها شروط صندوق النقد والبنك الدولييْن.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةخلاف داخل الاتحاد الأوروبي حول سقف أسعار الغاز
المقالة القادمةالصين تملأ فراغ نزوح شركات السيارات الغربية من روسيا