من اصل1.140مليار دولار لم يبق سوى ٤٩مليون دولار من حقوق السحب

بعد نحو سنتين من تسلم لبنان حصته من حقوق السحب الخاصة لم يبقَ في جعبة مصرف لبنان من تلك الحقوق سوى 76 مليون دولار. والمثير للجدل بالنسبة لبعض النواب، أن المبلغ تراجع الى 49 مليون دولار بشهر واحد، بين تموز وآب. فحسب بيان نشره مصرف لبنان في شهر آب الماضي، حول الموجودات والمطلوبات الخارجية في مصرف لبنان، استناداً إلى نهاية شهر تموز، كان رصيد حقوق السحب الخاصة المتوفر للاستعمال، يبلغ 125 مليون دولار.

تحت بند الضروري والطارئ والإنساني، ارتُكب الاستنزاف، وصُرفت الملايين تلو الأخرى، وتحت ضغط أزمات تتداخل فيها العوامل الإنسانية مع الأخلاقية والمالية، مُوّلت طباعة جوازات السفر البيومترية، واستمرّ دعم أدوية الأمراض المستعصية، وسُدّدت التزامات لبنان لدى الجهات والمنظمات الدولية، وغيرها من الحاجات والحالات الضرورية كالقمح والكهرباء و غيرها.

هذا الوضع استدعى لجنة المال والموازنة برئاسة النائب ابراهيم كنعان إلى أن ترفع الصوت عالياً وإن كانت تأخرت على ذلك وقررت إحالة الملف الى القضاء المالي، ديوان المحاسبة، وذلك على خلفية مخالفتين:

-الأولى، الصرف من دون رقابة ومن دون العودة الى مجلس النواب، وبمخالفة لمبدأ الشمولية الذي تنص عليه المادة 83 من الدستور، أي إما من خلال الموازنة أو اعتماد إضافي أو اعتماد استثنائي، وهو ما لم يتم”.

-المخالفة الثانية هي بفتح اعتمادات خاصة في مصرف لبنان فلا يحق لمصرف لبنان والحكومة فتح حسابات خاصة لا تمر بالخزينة بمخالفة واضحة للمادة 242 من قانون المحاسبة العمومية.

وفي قراءة قانونية لهذا الموضوع يقول المحامي الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة جوستيسيا الحقوقية والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ في حديث للديار :

منذ أكثر من سنتين استلم لبنان حصّته من حقوق السحب الخاصة التي قرّر صندوق النقد الدولي توزيعها على الدول الأعضاء لدعم اقتصادات هذه الدول، وحقوق السحب أو “SDR” وفق تعريف صندوق النقد الدولي فهي ” أصل احتياطي دولي مدر للفائدة أنشأه الصندوق عام 1969 كعنصر مكمل للأصول الاحتياطية الأخرى للبلدان الأعضاء، وتسمح لها بتقليص الاعتماد على الدين الداخلي أو الخارجي ذي التكلفة الأعلى من أجل بناء الاحتياطيات”.

ويضيف مرقص : بلغت حصة لبنان منها ما يعادل حوالي /1,140/ مليار دولار أميركي، وجرى تحويل هذه الحصص إلى أموال وتمّ إيداع قيمتها في حساب وزارة المالية مما يعني ظهور هذه القيمة كإيرادات ضمن موازنة العام 2022.

وقد نصّت المادة /242/ من قانون المحاسبة العمومية على أنه يجب إيداع جميع الأموال العمومية المحدّدة في المادة/2/ من هذا القانون في الحساب المفتوح لدى مصرف لبنان باسم الخزينة العامة، والمقصود بهذه الأموال أموال الدولة والبلديات، وأموال المؤسسات العامة التابعة للدولة أو للبلديات، وأموال الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العمومية.

ويتم الانفاق وفقاً لموازنة شاملة تقدمها الحكومة للمجلس النيابي وذلك سنداً للمادة /٨٣/ من الدستور، والتي جاء فيها أنه لا جباية ولا انفاق الا بإذن السلطة التشريعية ضمن موازنة مقررة.

ويتابع مرقص :بموجب القانون رقم 49/87 الصادر بتاريخ 21 تشرين الثاني 1987 أعطيت الإدارات العامّة ذات الموازنات الملحقة والمؤسّسات العامّة والبلديّات وسائر الأشخاص المعنوييّن ذوي الصفة العموميّة، حق فتح حسابات جارية مستقلّة بهم في مصرف لبنان.

وبموجب المادة /77/ من قانون موازنة العام 2019 ألغيت الموازنات الملحقة وكان من المفترض أن تكون الحسابات الخاصة بها لدى مصرف لبنان قد ألغيت ودمجت أرصدتها في حساب الخزينة رقم 36.

ويوضح مرقص بأن ايداع المبالغ الناتجة عن حقوق السحب في حساب خاص فتح لدى مصرف لبنان هو مخالف لمبدأ شمولية الموازنة المنصوص عنه في أحكام المادة /83/ من الدستور، والمادة /51/ من قانون المحاسبة العمومية التي تنصّ على وجوب قيد الواردات المقبوضة برمتها في قسم الواردات في الموازنة، كما والمادة /242/ من قانون المحاسبة العمومية المذكورة أعلاه.

ويشير مرقص إلى أن المادة /12/ من قانون المحاسبة العمومية لحظت إجازة فتح اعتمادات في الموازنة قبل إقرارها حيث نصّت على ما يلي: “لا تفتح الاعتمادات إلا ضمن نطاق الموازنات المذكورة في المادة 6. غير أنه يجوز بصورة استثنائية فتح اعتماد في موازنة ما قبل تصديقها شرط أن يُدوَّن فيها”.

كما أنه وفقا للفقرة الثانية من المادة /85/ من الدستور والتي تنصّ على ظروف خاصة يمكن فتح بها اعتمادات حيث جاء فيها ” اما اذا دعت ظروف طارئة لنفقات مستعجلة فيتخذ رئيس الجمهورية مرسوما، بناء على قرار صادر عن مجلس الوزراء بفتح اعتمادات استثنائية او اضافية وبنقل اعتمادات في الموازنة على ان لا تتجاوز هذه الاعتمادات في الموازنة على ان لا تتجاوز هذه الاعتمادات حدا اقصى يحدد في قانون الموازنة.

وإذ أكد مرقص على أنه يجب ان تعرض هذه التدابير على موافقة المجلس في اول عقد يلتئم فيه بعد ذلك”.

رأى إن قيام الحكومة بصرف أموال من خزينة الدولة وذلك من خلال تحديد نفقات خارجة عن نطاق الموازنة كما بتغطيتها من أصل ايرادات من خارج نطاق الموازنة، وفتح اعتمادات استثنائية دون موافقة المجلس النيابي يشكلّ مخالفة دستورية يمكن أن تحمل هدرا للمال العام.

وفي رده على سؤال حول دور ديوان المحاسبة يقول مرقص :هنا يأتي دور ديوان المحاسبة ، حيث نصّت الفقرة الأولى من المرسوم الإشتراعي رقم /82/ لعام 1983 وتعديلاته على أن: “ديوان المحاسبة محكمة ادارية تتولى القضاء المالي، مهمتها السهر على الاموال العمومية والاموال المودعة في الخزنة وذلك: بمراقبة استعمال هذه الاموال ومدى انطباق هذا الاستعمال على القوانين والانظمة المرعية الاجراء”.

 

مصدرالديار - أميمة شمس الدين
المادة السابقةموظفو الضمان يعاودون العمل بعد الموافقة على إعطائهم رواتب 4 أشهر
المقالة القادمةتوقيف مقالع وكسارات البترون: لا محاسبة ولا من يحاسبون!