عندما بدأ البحث في منتصف العام الماضي باستبدال الدعم على السلع بدعم الأسر والأفراد بشكل مباشر، كانت نسبة الفقر بحسب “الاسكوا” 55 في المئة، وكان سعر صرف الدولار وقتذاك بحدود 8000 ليرة. وعليه كان تخصيص 750 ألف عائلة بمنح مالية تتراوح قيمتها بين 100 و136 دولاراً أمراً عادلاً نسبياً، ومساعداً على تخطي المحنة من جهة، وعلى تجميد انهيار الوضع الاقتصادي من جهة ثانية. ذلك أنه من شأن الدعم المباشر زيادة عرض الدولار في الأسواق، ووقف استخدام الاحتياطي الالزامي من العملات الصعبة في مصرف لبنان. اليوم تخطت نسبة الفقر بحسب “الاسكوا” 82 في المئة من مجمل عدد السكان المقدر بـ 5.5 ملايين نسمة، أو 1.1 مليون عائلة، إذا اعتبرنا أن متوسط عدد أفراد العائلة يقدّر بخمسة. ما يعني أن عدد العائلات المحتاجة إلى إعانات مالية ارتفع إلى حدود 902 ألف عائلة، أي بزيادة 152 ألف عائلة عن العام الماضي أو ما يقدر بـ 760 ألف شخص. أما عن المبلغ المقطوع الذي سيعطى للعائلات فلم يعد يكفي، إذا سلمنا جدلاً انه سيعطى بالدولار، لتسديد فاتورة مولد الاشتراك التي فاقت هذا الشهر 2 مليون ليرة لاشتراك 5 أمبير في معظم المناطق. أما إن كانت المبالغ ستسدد بالليرة على سعر صرف مُبتدع فعندها تكون البطاقة كمن “يكب الماء على الرمال”.
صدور الآليات التطبيقية للبطاقة التمويلية في 6 آب الماضي، بعدما أقرها البرلمان بقانون في 30 حزيران 2021 لا يعني أن المشكلة قد حلت. بل العكس فان الأمور ستزداد تعقيداً للاسباب التالية:
– لن تشمل البطاقة إلا 505 آلاف عائلة، فيما عدد العائلات المحتاجة يقدّر بأكثر من 900 ألف عائلة. وهذا الخلل يعود إلى عدم موافقة المجلس النيابي على خطة وزارة الشؤون الأجتماعية التي لحظت تخصيص البطاقة إلى نحو 750 ألف عائلة في الأساس.
– ارتفاع معدلات الفقر بقفزات كمية ونوعية مع كل يوم تأخير ببدء الاصلاحات الاقتصادية والسياسية. حيث من المتوقع أن يرزح ما بين 90 و100 في المئة من إجمالي المقيمين تحت خط الفقر في نهاية العام الحالي.
– عدم وجود مصدر جدي لتمويل البطاقة. فطروحات تحويل بعض القروض الاستثمارية، من البنك الدولي تحديداً، لصالح البطاقة تواجه رفضاً قاطعاً.
– إمكانية عدم موافقة مصرف لبنان على تخصيص جزء من وحدات السحب الخاصة المقدرة قيمتها بـ 860 مليوناً لتمويل البطاقة بالدولار، واشتراطه دفعها بالليرة اللبنانية على سعر صرف منصته. الأمر الذي سيخلق تعقيدات إضافية.
– عدم حسم النقاش ما إذا كانت الأموال ستدفع بالليرة أو الدولار.
بالإضافة إلى التأخير الناجم عن عدم الاتفاق على مصدر التمويل هناك صعوبات تقنية لا تقل أهمية منها:
– صعوبة التوصل سريعاً إلى آليات عملية تسمح بجمع المعلومات على منصة التسجيل، وتطلبها تشبيكاً دقيقاً وحساساً مع مختلف الجهات المعنية بفرز المعطيات.
– عدم التوصل بعد إلى صيغة توزيع المساعدات أو المبالغ المالية. فاذا كانت ستوزع عبر شبكة فروع إحدى شركات تحويل الاموال فهي لا تتطلب وقتاً.
– التوقع بان يفوق عدد العائلات المستحقة الـ 505 آلاف عائلة. الأمر الذي سيدفع إلى وضع المزيد من المعايير الاستثنائية لحصر المستفيدين بالعدد المقر في البرلمان والالتزام بسقف البطاقة المحدد بـ 556 مليون دولار فقط.
إذاً، بناء على ما تقدم هناك عقبتان كبيرتان ستواجهان “ردم” فجوة الفقراء الآخذة يومياً في التوسع والإزدياد، وهما: كيفية تأمين مصادر التمويل لدعم الأسر، وكيفية تحديد الأسر الأكثر حاجة بدقة وشفافية. وهما عاملان سيؤخران إطلاق البطاقة في وقت قريب وتحديداً قبل نهاية الشهر الحالي.