لا ثقة بمصرف لبنان: هيئة مستقلّة لـ«إعادة هيكـلة المصارف»

«65 مليار دولار هي الخسائر المتوقّعة للمصارف اللبنانية بعد إعادة هيكلة القطاع المالي (…) ما يجعلها مُفلسة»، بحسب تقديرات وردت في تقرير أصدره الخميس الماضي رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية في «غولدمان ساكس» فارق سوسا. وفي إحدى مراسلاته لوزارة المالية (في عهد الوزير السابق غازي وزني)، يُقدّر صندوق النقد الدولي الخسائر الإجمالية في مصرف لبنان والمصارف بنحو 113 مليار دولار، أي أعلى من تقديرات «خطّة التعافي» البالغة 80 مليار دولار في نيسان 2020. يفترض بهذه الخسائر الضخمة أن تكون مدخلاً نحو هيكلة القطاع المصرفي كأولوية لا يعلو سواها أي عمل آخر.

لكن تحالف البنك المركزي – المصارف – القوى السياسية المنضوية في «حزب المصرف»، تمكنت من قلب جدول الأعمال لتصبح طباعة النقد مدخلاً لتقليص خسائر المصارف عبر هيركات مقنّع على أموال المودعين، على أن تتم لاحقاً عمليات شكلية تندرج تحت إعادة الهيكلة من نوع التصفية والدمج وسواها. عملياً، كان يتم تنظيف الميزانيات على حساب المودعين والمجتمع والاقتصاد، ومن دون إجبار المصارف على رسملة نفسها بأموال طازجة بالعملات الأجنبية.

النقطة المحورية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي تتمحور حول تحديد الخسائر في ميزانيات البنك المركزي والمصارف. الخسائر حدّدها مصرف لبنان في التعميم 543 على النحو الآتي:
– تحتسب الخسائر المتوقعة على توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان بنسبة 1.89 في المئة.
– تحتسب الخسائر المتوقعة على توظيفات المصارف في سندات الخزينة بالعملات الأجنبية (يوروبوندز) بنسبة 45 في المئة.

تتعارض هذه الطريقة في الاحتساب مع معايير المحاسبة العالمية. لذا، لم تعترف شركات التدقيق بصحة ميزانيات المصارف. «فكيف تنجح إعادة هيكلة قبل تحديد الخسائر؟»، يسأل مسؤول سابق في مصرف لبنان. عددٌ من المصارف طلب احتساب «10 في المئة أو 11 في المئة مؤونات على توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان، لكن حين يُحدّد سلامة هذه النسبة المُتدنية، فكأنّه يعتبرها أصولاً مُنتجة ولم تتعرّض لمخاطر عالية، وهذا أمر غير صحيح». لا بل هو يواصل تسديد الفوائد عليها!

حجم الخسائر هو المعيار «الذي على أساسه يُحدَّد إذا كان المصرف قادراً على الاستمرارية أو مُفلساً»، يقول المصرفي والوزير السابق عادل أفيوني. يوافق على أنّ «الخلاف الكبير مصدره الدين السيادي، والموجودات في البنك المركزي. إذا لم نصل إلى أجوبة في هذا الخصوص يعني أنّ جزءاً كبيراً من الميزانيات مشكوكٌ بتقييمها، ولا يوجد أي مُدقّق عالمي يوافق عليها».

وفق هذه القاعدة، بحسب المسؤول السابق في مصرف لبنان، «توضع خطّة التعافي (Resolution plan)، وتتولّى هيئة مستقلّة تحديد المصرف المُتعثّر أو المُعَرَّض للتعثّر، ليتمّ بناءً على ذلك حسم أي من المصارف التجارية قادرة على الاستمرار، وأي منها يجب تصفيته أو دمجه مع مصرف آخر». يعتقد أنّه لا مفرّ من آلية العمل هذه «لأنّ القرارات والتعاميم العادية لم تعد نافعة في إعادة إنعاش المصارف، لا بل على العكس ستُسهم في تعميق عدم الاستقرار المالي وزيادة تأثيره في المصلحة العامة».

يقول المستشار السابق لوزير المال، هنري شاوول (أحد أعضاء الوفد التفاوضي مع صندوق النقد الدولي في حكومة حسّان دياب)، إنّ «المشكلة ليست في وجود الخسائر، لأنّها واضحة وأحد الأدّلة على ذلك عملية تحويل 70 في المئة من الودائع من الدولار إلى الليرة لإخراجها من المصارف (وتقليل الخسائر في ميزانيات القطاع المصرفي)، بل في الاعتراف بها، وتحديد من يجب أن يُغطّيها». يتحدّث شاوول عن حجم القطاع المصرفي الكبير جدّاً نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، «اقتصادياً هذا لا يجوز، ولا مفرّ من دمج المصارف». يُذكّر بأنّه ما بين آذار 2020 وآذار 2021، أُقفل مليون و200 حساب من أصل مليونين و700 حساب، «هؤلاء هم تقريباً المودعون الصغار والمتوسطين. ماذا يُريدون حالياً؟ استخدام أملاك الدولة لدفع أموال كبار المودعين والمساهمين؟». هنا يتفق شاوول مع المسؤول المصرفي على أن سرّ نجاح خطّة التعافي التي يحتاجها القطاع «بوجود هيئة مستقلة، غير مرتبطة بمصرف لبنان أو بأي لجنة أو هيئة رقابية حالية. يجب أن تمتلك هذه الهيئة صلاحيات الولوج إلى حسابات المصارف وتصنيفها بين متعثّر وقابل للاستمرار». وذلك يتم في إطار دراسة ميزانيات المصارف لتحديد نسب السيولة المطلوبة والرسملة لكلّ منها. «ومن المهم أن تكون خطة التعافي متطابقة مع المعايير الدولية لتقليل المخاطر».

مصدرجريدة الأخبار - ليا القزي
المادة السابقةاتفاقية الغاز رهن رفع التعرفة؟ | لا كهرباء للفقراء
المقالة القادمةهل يحدّ “الربط الثابت” للدولار من تداعيات تحرير الدعم عن المحروقات؟