لبنان كان وما زال مركز أطماع بسبب موقعه الجغرافي وطبيعة أرضه ومناخه الملائم لزراعات متنوعة، إضافة لثروته المائية المهمة.. كل ذلك لم يُحفز الدولة والحكومات المتعاقبة على استثمار هذه الثروات وإعطاء أهمية للقطاع الزراعي الذي يعدُّ أساسياً في دول العالم المتقدم.
إنجازٌ يسجل لوزارة الزراعة هذا العام، رغم تهميش الحكومة لهذا القطاع كما اعتدنا أن تفعل الحكومات السابقة بكل ما يخص المواطن وأمنه واقتصاده.
717 مليون دولار أُدخلت من بوابة الزراعة، دون أي دعم أو تشجيع أو حتى النظر بالمشاريع التي قدمت لتطوير وإنماء القطاع.
ولأن الأمن الغذائي للمواطن بات مهدداً في ظل أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار ومُعضلة بتشكيل حكومة جديدة، كان لـ “الاقتصاد” مقابلة مع وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى، الذي أطلعنا على واقع القطاع المهمش وأهميته بتطوير اقتصاد البلد.
كيف تصف واقع القطاع الزراعي في ظل الظروف الاستثنائية التي نمر بها؟
“منذ عشرات السنين، لم تعطَ الزراعة أهمية، لذلك أهمل المزارع أرضه، والسبب الدولة والحكومات المتعاقدة التي همَّشت هذا القطاع وقضت عليه، معتبرة بأنه غير أساسي للاقتصاد اللبناني، وهذا خطأ كبير في منهجية التفكير.
موازنة وزارة الزراعة تبلغ 52 مليار ليرة فقط، ورغم رفع الصوت عالياً، هذه الحكومة لم تقدم شيئاً كما غيرها وأهملت القطاع كأنه غير أساسي وأولوية كما تعتبره الدول الكبرى.
عشرات الملفات والمشاريع قدمتها بنفسي للحكومة، منها مشروع الزراعات العلفية والملف لم ينظر فيه منذ شهرين. لكن رغم ذلك لم نجلس مكتوفي الأيدي، بعد أن لمسنا عدم إهمال بهذا القطاع من قبل الحكومة، أخذنا على عاتقنا تحمل المسؤولية، وقررنا أن نجتهد مع فريق عمل الوزارة وأن نهتم بطريقتنا.”
ما هي الاستراتيجية التي اتبعتها الوزارة لدعم هذا القطاع الحيوي؟
“عندما تسلمنا وزارة الزراعة في الحكومة، كنا متنبهين لخطر يحدق في لبنان، ووضع اقتصادي صعب ومالي، فوزارة الزراعة هي وزارة غذاء أيضاً، لذلك نحن من الوزارات التي عملت 24/24 خلال هذه الفترة، حتى خلال تصريف الأعمال، لم نتخلَّ عن مسؤولياتنا. بكل شفافية وبكل جهد عملنا في فترة الإغلاق العام فلا نستطيع إهمال المعاملات وتعطيل حركة الصادرات والواردات على الحدود وفي كل مرافق البلد وتعطيل معاملات الناس.
دعونا ودعمنا ضمن الإمكانات المتاحة، هناك 4 مليار ليرة خصصت هذا العام لاستصلاح الأراضي وخزانات المياه، ناهيك عن 20 بركة زراعية نُفذت ومنها قيد التنفيذ على الأراضي اللبنانية ممولة من منظمات دولية. ومن هنا لمسنا إقدام على زراعة كل شبر من الأراضي، لذلك لاحظنا زيادة في الإنتاج هذا العام أكثر من أي عام سابق، ما أدى إلى كساد في السوق قمنا بتصديره للخارج.
وبعد أن فقدنا الأمل بالحكومة، وضعنا استراتيجية لتحسين القطاع من خلال مساعدة منظمات دولية، انبثق عنها 70 مشروعاً سيبصر النور في الأسابيع المقبلة كمساعدات ووضع رؤية وسجل للمزارع، إذ إنه لا توجد سجلات أبداً ولم تعمل أي وزارة سابقة على ذلك.
هذه الوزارة سميتها: وزارة تعقيب معاملات، نحن اليوم نحولها لوزارة تعنى بالقطاع الزراعي لها علاقة مع المواطن، قمنا بدعم الأدوية الزراعية وقدَّمنا بطاقات للمزارع كدعم مجاني.”
كم بلغت مساهمة القطاع الزراعي في الاقتصاد اللبناني خلال عام الأزمة 2020؟
“في ظل الأوضاع التي نشهدها لا توجد قطاعات اقتصادية منتجة كالقطاع الزراعي، الأرقام واضحة وتظهر أهمية القطاع الزراعي في تطوير الاقتصاد.
هذه البيانات تظهر كمية الصادرات بالطن والدولار، وأيضاً المؤشر الإيجابي يظهر كيف انخفضت نسبة الإستيراد، ما يعني أنه لا يخرج من البلد “فرش دولار” بل على العكس.
لدينا 110 آلاف طن تم تصديرها مقارنة بالعام الماضي، ولأن سعر الصرف بات مرتفعاً أصبح التصدير مهماً لإدخال الدولار إلى البلد.
كذلك وضعنا ضوابط لتصدير كل المنتجات بعد أن شهدنا في الفترة الماضية ارتفاع أسعارها مثل الحمضيات، كي يتحمّل المواطن كل التبعات”.
من يتحمل مسؤولية ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية خصوصاً أننا قادمون على شهر رمضان وسنشهد ارتفاعاً جنونياً للخضار والفواكه؟
“ارتفاع الأسعار مرتبط بعدة عوامل، هناك فصول في السنة ومواسم غير منتجة، عادة نقوم باستيراد المنتجات الزراعية بهذه الأوقات لأنه لا توجد خيم بلاستيكية مجهزة، وهيدروبودنك ومساحات لانتاج محلي، لذلك ترتفع الأسعار خصوصاً مع ارتفاع سعر صرف الدولار الجنوني.
الآن بعد التشجيع على الزراعة، انخفضت قيمة الاستيراد، كما نعمل على مشروع دعم الخيم البلاستيكية مع منظمة دولية، ولكن هذا المشروع يحتاج إلى وقت، بسبب غياب الإمكانات والقروض الزراعية.
في السنوات الماضية، سُجلت خسائر كبيرة في القطاع الزراعي، لذلك تخلى الناس عن الاستثمار فيه. هناك 100 ألف بيت بلاستيكي في لبنان، 50 ألف منها معطل، لأن اللبنانيين لم يجد فيها استثماراً جاذباً.
أما الآن الوضع مختلف، كوزارة نقوم بتطوير ودعم الزراعة الشتوية وبدأ القطاع يطور نفسه، وبدأ المزراع يتشجع على استثمار أرضه.
المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تقوم وزارة الاقتصاد بتحديد أسعار المنتجات الزراعية ومراقبة الأسواق لمنع الاحتكار، نحن نقدم المؤازرة ولكن ليس لدينا محاضر ضبط لمحاسبة المخالفين، وهذه مسؤولية الوزارة التي تعاني من خلل كبير في استنسابية التعاطي مع الملفات ما أدى إلى مشاكل في الأسواق اليوم وهذا أمر غير مقبول.”
كيف تتعاطى وزارة الزراعة مع التجار المحتكرين؟
“نحن كوزارة زراعة كل تاجر تصلنا معلومات مؤكدة بأنه يحتكر نوقف العمل معه، ونرسل ملفه للنيابة العامة المالية، اليوم لا نبرر لأي محتكر أياً كان ولن نسكت عن ذلك. ولكننا لسنا الجهة التقنية المسؤولة، بل وزارة الاقتصاد هي من يجب أن تتحمل مسؤولياتها، ووتابع مع أجهزة الدولة وترفع محاضر ضبط بحق كبار التجار المحتكرين. لكن هناك استنسابية بإدارة الأمور، لماذا ملف أساسي وأولوية يبقى 3 أشهر وآخر لا ينتظر يوماً واحداً؟!
على الجهات المعنية أن تتحرك وتَتَّخذ إجراءات صارمة، ونحن كوزارة زراعة نراقب ونساعد ونسلط الضوء على كل خللٍ ومخلٍّ.”
وجهت كتباً لكل من وزير الاقتصاد وحاكم مصرف لبنان وذلك بعد عدة مراجعات وردت الى وزارة من نقابة مستوردي الماشية حول وجود ملفات لم يتم البت بها، هل من ردّ حول هذا الموضوع؟
“للقطاع الزراعي اليوم، تمويل بـ 40 مليون دولار، 30 مليوناً منهاً لدعم الأعلاف واللحوم، و10 ملايين للبذور والأسمدة. لكنني تفاجأت في شهر كانون الأول الماضي، بتخصيص 25 مليون دولار فقط للقطاع الزراعي، أي أنه تم اقتطاع 15 مليون دولار من موازنة الوزارة المخصصة للدّعم.
كذلك الأمر في شهر كانون الثاني الماضي، جاء وتيرة الدّعم بنفس القيمة، وهو ما تسبب بالأزمة الحالية في قطاع اللحوم. وهناك مبالغ كان على وزير الاقتصاد التوقيع عليها، لكنها توقفت، مما أدى إلى أزمة لحوم بالأسواق. لذلك كان لا بد من توجيه كتاب لوزير الاقتصاد بعد الشكاوى التي وردتنا.
كما تم توجيه كتاب لحاكم مصرف لبنان، ونطالبه بتسريع الملفات التي تمس الأمن الغذائي للمواطن.”
ما أهمية البطاقة التموينية وهل ستوزع بشكل عادل بعيداً عن المحسوبيات السياسية والحزبية؟
“أنا اليوم أرى بأن البطاقة التموينية أهم دعم للمواطن اللبناني، لأنها تصل بشكل مباشر له، وقد رأينا ما حصل من قبل الكارتيلات التي تتحكم وتحقق أرباحاً كبيرة، لذلك نطلب تسريع العمل بهذه البطاقة وأعتقد أن معظم الشعب اللبناني بات بحاجة للدعم وخصوصاً الأشد حاجة.”
وفي ختام اللقاء دعا وزير الزراعة عبر “الاقتصاد”، إلى تشكيل حكومة عاجلة، ووضع آلية لحوار مع الخارج والجهات الدولية لدعم لبنان، وإخراجه من النفق المظلم.