أصبحنا في وقتٍ إذا سلمنا على أحدهم علينا أن نعدّ بعدها أصابعنا! نمشي وعيوننا الى الوراء. نصعد الى سياراتنا ونكبس على زرّ الإغلاق فوراً. نقفل المصعد ليلاً ونوصد الأبواب الحديدية بإحكام. أصبحنا في دهليز اللاأمان الكليّ. ولم نعد ندري من أي باب سيأتي الخطر. لم نعد كما كنا. تغيرنا كثيراً. لكن، يبدو أن “سلطتنا” لا تزال تراهن على تحملنا كوننا لم “نفقع” بالون القهر في وجهها حتى اللحظة على الرغم من كل القلق والجوع والخطر فينا وعلينا ومن حولنا.
قبل يومين وجد أكثر من مواطن في البترون وفي زغرتا مركباتهم بلا دواليب. وبعض هؤلاء كانوا ينزعون البطاريات ليلاً كي يحموا مركباتهم من السرقة لكن، كما تعلمون، “نوم الحارس مصباح السارق” ولبنان سايب بلا حراس. ومن لا ينجح من “الحراميي” بسرقة السيارة كاملة “يفرطها” و”يشفطها” قطعاً. فهل على اللبنانيين أن يحموا أنفسهم؟ هل يفترض بهم تعميم الأمن الذاتي في مناطقهم؟
فهناك، في المناطق التي شهدت أخيراً على كمٍّ من سرقات الدواليب، يُكررون ذكر “الشباب الصايع” على كثير من الطرقات ليلاً ومنها بين العقبة وأطراف بيت البايع وحي مرقس وصولاً الى كفرحاتا ونزلة سيتي كافيه… فهل هؤلاء من يقومون بالسرقات بعد “نصاص الليالي” أم أن هناك شبكات غير منظورة تترصد أهدافها نهاراً كي تنشط في الليالي المظلمة؟ الثابت الوحيد أن هؤلاء من التابعية السورية ومن اللبنانيين أيضاً.
ما يحصل في زغرتا حصل في البترون وقبلهما في الأشرفية وطرابلس وجرجوع… ثمة شبكات تنشط اليوم، على أبواب الشتاء، في سرقة دواليب السيارات بعد نشاطها في سرقة بطاريات السيارات في الفترة الأخيرة. وكلنا نعلم كلفة تركيب أربعة دواليب على سيارة متواضعة حجم دواليبها 14 أو 15 فكيف بدواليب السيارات الكبيرة؟
عشرات صفحات إعلانات بيع الدواليب المستعملة موجودة على “السوشال ميديا”. فلنتابعها. دولاب دراجة نارية بسعر 15 دولاراً. جنوطة هيونداي 4 براغي قياس 14 أو 15 للبيع. طقم بيجو قياس 15 لعشاق الفخامة والتميز. جنط 18 مع دولابين مستعملين. جنوطة بي أم دبليو مع دواليب قياس 20… العروضات كثيرة في لبنان وفي سوريا كمان. فما يحدث هنا سبق وحدث (وما زال) مثله هناك. نفس الأفكار في البلدين الشقيقين. فالقلة تدفع السارقين الى التفكير بخيارات. والموسم موسم سرقة دواليب.
إتصلنا بشبابٍ يعرضون دواليب مستعملة للبيع فسألونا عن “طلبنا” الذي يمكن تأمينه في خلال 48 ساعة. فكل شيء موجود أو سيوجد. المهم أن ندفع الثمن “كاش”. لكن، من أين؟ من أين يأتون بتلك الدواليب؟ سؤالٌ طرحناه على أحدهم فأجاب: “هي دواليب من أوروبا. هناك، يستخدمونها 6 أشهر ويستبدلونها بأخرى جديدة على الرغم من أنها تكون لا تزال شبه جديدة. وحين سألناه حول كيفية دخول الدواليب المستعملة إلى لبنان انقطع الخط. فليس لكل سؤال جواب.
أحد محال بيع الدواليب العريقة في بيروت يبدو وكأنه ما زال يعيش في “الايام الذهبية”. يقول: “بسبب تغيّر حالة الطقس تشهد إطارات السيارات تلفاً وتفقد الأداء المطلوب الأمر الذي يتسبب بمخاطر على السائق والآخرين في حال وقوع أي حادث. يتابع: “يا دلّ اللبنانيي” أصبحت تليق بهم أغنية “شحاذين يا بلدنا” ثم يستطرد بالكلام عن “عشرات الشبان الذين يأتون يومياً عارضين عليه شراء دواليب مستعملة لا تزال جيدة. وحين يطالبهم بتفسيرات حول مصدرها يغادرون. ثمة شبكات ناشطة في البلد تسرق ليلاً الدواليب وتبيعها نهاراً الى محال الدواليب أو عبر صفحات “السوشال ميديا”.
نحن لا نستورد “رسمياً” في لبنان، من زمان،إلا دواليب جديدة، على ان تكون ذات مواصفات عالية، لكن كان يا مكان في قديم الزمان. فكل شيء للأسف يسوء. فاللبنانيون غير قادرين بمعظمهم على تركيب دواليب جديدة و”الزفت الرسمي” تعبان يؤثر سلباً على القيادة. لهذا تكثر حوادث السير. هناك من ينظر الى هكذا أنواع من السرقات مردداً: “هناك جوع في البلاد وطبيعي أن يسرق كثيرون لتأمين اللقمة الى أطفالهم”. وقبل ان يختموا يجيبهم آخرون “من يسرق مرة يصبح لصاً الى الأبد”. نعم، اللصوص زادوا كثيراً. والبلاد في أزمات.