السواد حالك والناس “تحترق”… أهلاً بكم في جهنّم!

قبل أشهر، قال صاحب الفخامة: رايحين ع جهنم. والبارحة، من يومين أو ثلاثة، قال دولة الرئيس السابق والمكلف السابق لمنصب دولة الرئيس: “هذه هي الطريق السريع الى جهنم”. “يا أبونا، رايحين ع جهنم أم بلغناها؟ لا كهرباء، لا دواء، لا محروقات، لا مياه، لا أمن وأمان، لا مستشفيات، موت، وجع، حزن، بؤس، قلق… جهنم تحرقنا”. أجاب الأبونا: “يا أخوتي، نحن أولاد الله والرجاء والعذراء مريم وجهنم أبشع مما تعيشون كثيراً كثيراً…”.

نتذكر “فقير المال” الذي يجلس على إحدى مستديرات بيروت، تحت عين الشمس الحارقة، اختفى. سألنا عنه. مات. حرقته الشمس فمات. نقصد سنترال سن الفيل لسداد فاتورة الهاتف الثابت. المركز مقفل. نعود مجدداً. لا يزال المركز مقفلاً ووحدها “اللمبة” عند الباب تعمل في عزّ النهار. نقصد سنترال الجديدة. هو مقفل أيضاً مع إعلان على الباب منذ أيام طويلة: “الصندوق مقفل حالياً بسبب عطل”. عطل؟ نتذكر ان العطب في الدولة بأكملها. الخطوط الثابتة قُطعت.

نقصد مكتب ليبان بوست لدفع ضريبة الدخل. نجلس ساعات قبل أن يُعلمنا رئيس المركز في الجديدة: “السيستام تعطل”. نعود في اليوم التالي. “السيستام” يستمر معطلاً. ومهلة الدفع انتهت. ماذا تفعل بنا هذه الدولة؟ تقتلنا وتمشي في جنازتنا؟ أعصابنا تحترق. وظفو الإدارات العامة في إضراب. والمواطن المسكين الذي يستمر مؤمناً بوجوب إتمام واجباته يأكل في اليوم القصير صفعات. لا تحتاجون الى من يُخبركم عن الزحمة أمام محطات البنزين. نقف أم نَجمَد في أمكنتنا بلا حراك ولا حياة؟ وقفنا في الطابور الطويل. بوليس بلدية الجديدة يُنظم سير الطابور. وبين مركبة ومركبة “سعيد حظ”، يشكّ ويمرّ ويسبقنا.

عدد السيارات والآليات في لبنان نحو 1,6 مليون سيارة وآلية. وقد أرغمت، بحسب الدولية للمعلومات، 1,2 مليون منها على الأقل، على الإنتظار بين ساعة وأربع ساعات كل اربعة أيام، لتعبئة خزاناتها. وهناك نحو 400 ألف سيارة وآلية أصحابها من المحظيين. تُرى هل جهنم الطيبين أقسى من جهنم المحظيين؟ سؤالٌ يطرح.

هناك، في البترون، دردشات لا تنتهي بين فاعليات المدينة. “فالأغراب يطبون على المحطات في المنطقة” والأهالي يشعرون بالغبن بسبب الوقوف في طوابير لا تنتهي من شكا حتى المدفون طلباً لليترات قليلة من البنزين. عبثاً. هؤلاء لا يطلبون أكثر من تنظيم الوقوف على المحطات. إنهم يطالبون رؤساء البلديات والمخاتير وحتى الكهنة بالتحرك. قوارير الغاز مفقودة. البيوت بلا غاز. وطبخة العدس في مطبخ “إم توفيق” لم تستو. والبارحة رفعوا سعر القارورة المنزلية الى 90 ألفاً و400 ليرة ولا تزال مفقودة. هو الجنون. هو الجحيم. الغاز ضرورة. البنزين ضرورة. المازوت ضرورة. والمياه بالتأكيد ضرورة. اليونيسف أعلنت مرة جديدة في أقل من شهر “أن أكثر من 71 في المئة من سكان لبنان لا يحصلون على المياه هذا الصيف، ما أجبر 4 ملايين شخص الى اللجوء لمصادر غير آمنة”.

فندق فينيسيا معروض للبيع بمبلغ 300 مليون دولار وزوجة أحد كبار السياسيين عرضت دفع 250 مليون دولار. أوتيلات ومؤسسات سياحية بالجملة تفتح فروعاً في الخارج وتقفل فروعها في لبنان. فالوضع في لبنان، إن كانت جهنم سواداً ونيراناً، أشبه بجهنم. إحداهن حجزت أول الأسبوع، على أول مقعد وجدته في أقرب طائرة، للإنتقال نهائياً الى فرنسا الحنونة، قبل وصول باخرة السيد حسن، الجزء المتحرّك من الأرض اللبنانية! وليس النيران وحدها في جهنم هناك أيضاً البرودة التي قد يشعر بها لبنانيون كثيرون “بعد كم شهر” حيث لا تدفئة ولا مازوت لكن إطمئنوا لأن “زمهرير جهنم” تبقى أشد. يعني جهنم التي نعيش تبقى أخف بكثير من جهنم من فعلوا بنا كل ما فعلوه ويفعلونه.

مصدرنداء الوطن - نوال نصر
المادة السابقةإستمرار الدعم: “خسارة مثلّثة بلدية أصيلة”
المقالة القادمةغابت الكهرباء وحضرت الطاقة البديلة… مولّدات وألواح شمسية و”يو بي أس”… وتصليح القديم